كابوس الحرب يهدد حياة أطفال اليمن

- ‎فيأخبار اليمن, تقارير

لا تنحصر الآثار السلبية للحروب على الكبار الذين يعايشون تفاصيلها يومياً، بل يمتد تأثيرها إلى الأطفال الذين يمرون بأحداث تفوق قدرتهم على استيعابها.

وتخلف الحرب آثاراً نفسية وجسدية على الأطفال، وتؤدي أهوالها ونكباتها وصدماتها إلى زعزعة نفسياتهم قد ترافقهم مدى الحياة.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أن 398 طفلا على الأقل قتلوا، وأصيب 600 آخرون بجروح منذ اندلاع النزاع المسلح في اليمن في مارس/ آذار من العام 2014م.

وذكرت المنظمة، في تقرير أصدرته في أغسطس/ آب الماضي، أن النزاع في اليمن يدمر واحدة من أفقر الدول العربية، ويؤدي إلى تعطل الخدمات الصحية، وارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال، وإغلاق المدارس، وارتفاع أعداد الأطفال المجندين.

حالة حرجة

دفعت الحرب الدائرة في البلاد، منذ أشهر، الطفلة “لمياء عزيز” إلى الهروب من صنعاء، تاركة وراءها مدرستها وصديقاتها.

تقول والدة “لمياء” لمراسلة “يمن مونيتور” إن طفلتها أصبحت لا تطيق سماع الألعاب النارية، فكيف بالانفجارات الكبيرة التي تحصل من وقت لآخر في العاصمة صنعاء.

وتضيف أن “حالة لمياء النفسية باتت متعبة، ما جعلهم يقررون الذهاب بها إلى القرية، بعيداً عن مناطق القصف الجوي والحروب”.

وأثبتت الدراسات أن الحروب تترك تأثيرات آنية على الأطفال وتأثيرات طويلة المدى؛ من أهم التأثيرات الآنية على الأطفال هي الاضطرابات السلوكية التي تأخذ أشكالاً متعددة، كالقلق الشديد والخوف من المجهول وعدم الشعور بالأمان والتوتر المستمر والانعزال، والتبول في الفراش، فيشعر الطفل أنه مهدد دوماً بالخطر، وأن أسرته عاجزة عن حمايته، فعلى الرغم من أن الوالدان هما مصدر قوة الطفل وأمانه، إلا أنهما عاجزان عن توفير ذلك.

أما التأثيرات طويلة المدى فهناك الصدمات الأخرى التي تحدث آثاراً عميقة في الطفل وتسبب له في بعض الأحيان ما يسمى باضطراب ما بعد الصدمة تلك الصدمات المؤلمة، فقدان شخص عزيز على الطفل كاستشهاد أحد الوالدين أو الأقارب، صدمة تدمير البيت أو المدرسة، وصدمة التعرض لنوع من أنواع الإساءة الجسدية أو الجنسية، وصدمة التعرض لإعاقة وفقدان أحد أعضاء أو حواس الجسم.

الأطفال ضحايا الحروب

يقول استاذ علم النفس بجامعة (أم القرى) السعودية “أحمد الحوراني”، إن “ما يتأثر به الأطفال في الحروب قد يتأثر به الكبار أيضاً، لكن اعتماد الأطفال على غيرهم في الرعاية والاهتمام يجعلهم ضحايا في أوقات الحروب خاصة عند فقدانهم من يقوم بمهمة الرعاية”.

وأضاف “الحوراني” في تصريحات لـ”يمن مونيتور”، أن الأطفال يتأثرون نفسياً في الحروب التي قد تصل أحيانا إلى مشاكل مزمنة، ترافق الطفل على مدى حياته، وأحيانا أخرى تأتي الأزمات عارضة وبدون تأثير يذكر اذا تم تدارك ومتابعة حالة الطفل مبكرا.

وأشار إلى أن “ما يجعل الأطفال عرضة للاضطرابات النفسية هو عدم القدرة على التعبير عن حاجاتهم النفسية الداخلية التي تمر بهم، والتي لا تلبث أن تتحول إلى العقل الباطن واللاشعور، والتي سوف تظهر لاحقاً على الطفل كمشاكل نفسية عميقة”.

ويتعرض الأطفال في الحروب إلى مواقف كثيرة من الإرهاب والرعب مما يجعل هذه الخبرات القاسية يعانون وبشكل دائم من اضطراب ما بعد الصدمة والتي من أعراضها القلق الشديد والخوف والاكتئاب واضطرابات فسيولوجية تتمثل في التبول اللاإرادي وفقدان الشهية واضطرابات في النوم تتمثل في الأحلام المزعجة والكوابيس.

يتابع “الحوراني”، “الاطفال الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة والتي تنتج عما أسلفنا عن أحداث صادمة مثل الحروب يشعرون بالتهديد المستمر والصعوبة في التعبير عن مشاعرهم وعواطفهم وما يميز هذا المصاب بالصدمة النفسية هو إعادة الحدث الصادم وتكراره بعدة أشكال كاستذكار صور الحرب وحديث النفس المتعلق به وكأن الحدث يتكرر مرة أخرى”.

رعاية الأطفال أولوية إنسانية

وتعد رعاية الأطفال وتقديم العلاج لهم أولوية ينص عليها القانون الدولي والإنساني، كما هو الحال بالنسبة لتأمين احتياجات الأطفال المتعلقة بالطعام والملابس والتعليم ولم شمل العوائل وحمايتهم من الاعتداءات.

ومن تلك الأولويات أيضاً، وضع اعتبارات خاصة عند نقل الأطفال من مناطق النزاع إلى مخيمات اللاجئين وتوفير احتياجاتهم مثل التعليم واللعب والبدء بإعادة التأهيل النفسي والجسدي للأطفال في أسرق وقت.

علاج الطفل يزيل الحالة النفسية

وقال “الحوراني” في ختام حديثه لـ”يمن مونيتور”، إن التأثيرات التي يعاني منها أطفال الحروب قد تمتد الى سنوات طويلة في حياة الفرد، وسيرافقها انتكاسات نفسية وجسدية متلاحقة، وفي أحيان كثيرة هذه التأثيرات سوف تختفي في غضون أسابيع او أشهر إذا ما تم علاج ومتابعة حالة الطفل.

التأثير الآني وطويل المدى على الطفل

ويعبر الطفل عن هذه مشاعر الصدمة بأوجه مختلفة، منها العدوان نحو الآخرين والتعامل بخشونة مع الزملاء، وسرعة الاستثارة الانفعالية، فنراه يصرخ أحياناً بلا سبب، أو يغضب لأتفه الأسباب.

ومن العادات السلوكية التي تعبر عن قلق هؤلاء الأطفال نتيجة الصدمة قضم الأظافر والتبول اللاإرادي، والتي تعتبر انعكاساً لحالة من الأمان التي كان يعيشها الطفل في مرحلة عمرية سابقة، وهو يحن للرجوع إليها كونها تذكّره بمرحلة ممتعة بالنسبة له، أو هروباً من الواقع الموجود حالياً.

ويمكن الحد من ذلك من خلال إفساح الفرصة للأطفال بالتعبير بشكل حر عما يجول بخاطرهم حول ما حدث، وكذا دمج الأطفال مع أطفال آخرين وإشراكهم في أعمال جماعية حتى يتمكنوا من التفريغ الانفعالي بشكل فعال.