قال الأمير تركي الفيصل إن القمة التي جمعت كبار القادة الإقليميين والدوليين وشخصيات بارزة من القطاعين العام والخاص وقادة الجيل المقبل «قمة بيروت انستتيوت» التي عقدت في أبوظبي أسفرت عن مجموعة أساسية من الأفكار يمكن أن تشكل عنصراً مساهماً ومفيداً للقادة وصناع القرار في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ المنطقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وأشار إلى أن التوصيات أكدت في الجانب الاقتصادي أهمية بدء التحضيرات الآن لإنشاء اتحاد اقتصادي عربي كمرحلة طبيعية تعقب التنفيذ الناجح للسوق العربية المشتركة على أن ينطوي ذلك على توحيد العملة والنظم النقدية وتنسيق السياسات المالية وتحفيز النمو الاقتصادي واستحداث فرص العمل كأولوية قصوى في المنطقة العربية والأكثر أهمية أمام القادة العرب، لافتاً إلى أن التغير الحالي في الديناميكيات العالمية للاقتصاد النفطي يجعل هذه الأولوية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى وإلى أن تحويل منحى النمو على المدى الطويل يتطلب إزالة الحواجز المعيقة للنشاط الاقتصادي بين دول المنطقة فضلاً عن تمكينها من الاستفادة من المحركات الناشئة للنمو الاقتصادي من الجيل التالي.
كما دعت هذه التوصيات القادة العرب إلى إنشاء سوق عربية مشتركة حقيقة بحلول العام 2020 حيث أن التكامل الاقتصادي العربي الفعلي لا يزال ضعيفاً جداً ولذلك فإن المنطقة بحاجة للتنفيذ العاجل لقرار الدول العربية الأعضاء في منطقة التجارة العربية الكبرى لإنجاز الاتحاد الجمركي العربي والسوق العربية المشتركة.
برامج
ودعت التوصيات الوجهة إلى القادة العرب وأصحاب القرار إلى تعزيز برامج تعويض الإنفاق الدفاعي، حيث تستثمر دول التعاون وحدها نحو 80 مليار دولار سنوياً في الإنفاق الدفاعي ويجب على القادة العرب بحسب التوصيات فرض شرط تعويض بنسبة 35 % على الموردين والمقاولين الأجانب للمساهمة في الاقتصاد المحلي من خلال الإنفاق الرأسمالي حيث يمكن أن يولد ذلك نحو 280 ألف فرصة عمل عالية المستوى في المنطقة بحلول العام 2025.
وكان الأمير تركي الفيصل أطلع الحضور في المؤتمر الصحفي الذي عقد أمس في أبوظبي بصفته عضواً في مجلس إدارة بيروت انستيتيوت، والرئيس المشارك في قمة بيروت انستيتيوت، على التوصيات السياسية المُنبَثِقة عن القمة التي عُقدِت في أبوظبي. حضر المؤتمر الصحفي راغدة درغام عميدة الإعلاميين الدوليين في الأمم المتحدة والمؤسسة والرئيسة التنفيذية لمؤسسة بيروت انستتيوت ورودولف لومبير مدير مجلس سياسة الأعمال التجارية العالمية.
وقال الأمير تركي الفيصل إن مرحلة التغيير يسودها الكثير من التحديات وأيضاً الكثير من الفرص. وبينما تبدو التحديات الحالية غير مطمئنة، إلا أن الفرص ودوافع الابتكار الناشئة في المنطقة تبشر بتغيرات إيجابية.
وأكد أن الغرض الرئيسي من القمة والتوصيات المنبثقة عنها هو إيجاد الطريق البديل. طريق الأمل والسلام والرخاء الذي يعد بمستقبل أكثر إشراقاً للوطن العربي بأكمله. وقال إن المسؤولين الحكوميين والرواد من القطاعين العام والخاص ومن شارك في المؤتمر من القيادات الواعدة خاضوا جلسات مكثفة من النقاش والعصف الذهني. وأثمرت المناقشات عن أفكار غير تقليدية كما نتج عنها مجموعة من التوصيات السياسية القابلة للتنفيذ على وجه السرعة. ودعا قادة المنطقة إلى مجابهة التحديات المتزايدة في الإقليم كما شجعهم على الاستفادة من الفرص غير المسبوقة وبناء مستقبل يليق بشعوب العالم العربي.
تحديات
وأكد بقوله إننا نرفض فكرة أن التحديات التي نواجهها في المنطقة لا يمكن تذليلها. لدينا المهارات والموارد والعزيمة اللازمة لقهرها والتغلب عليها. لكن في سبيل التعامل مع هذه التحديات، ينبغي أن نركز على المرض ونستأصله من جذوره بدلاً من التعامل فقط مع الأعراض.
وأضاف أننا يجب أن ننظر إلى الأمام، فالأساليب القديمة أصبحت لا تلائم التحديات التي نواجهها. إن شبابنا بأساليبهم المتطورة وثروتهم التقنية يمنحونني الأمل في المستقبل. كما يجب أن نتخطى مرحلة الحديث فقط عن التحديات ونلزم أنفسنا باتخاذ الإجراءات الحاسمة. لقد طال الحديث وقصر الفعل، وإن أملنا اليوم أن تكون توصيات القمة ما هي إلا نقطة الانطلاق نحو إجراءات ملموسة ونوعية وحقيقية.
توصيات ملحة
وذكر أن النطاق الأول في التوصيات هو الأكثر إلحاحاً إذ يجب أن نوقف نزيف الدم حيث تُعد وتيرة العنف المتصاعدة في سوريا، واليمن، وليبيا والعراق من أهم أسباب المعاناة والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط. لذلك، يمثل الحد من هذه النزاعات توجهاً حتمياً من الناحيتين الاستراتيجية والأخلاقية. ولدينا ما يلزمنا من أدوات للقيام بذلك سواء كانت عسكرية أم غيرها ويجب أن نأخذ بالأسباب.
إنشاء هيكل إقليمي للأمن
استعرض الأمير تركي الفيصل مجموعة من المقترحات قائلاً إنها تركز على توفير المناخ الآمن على المدى الطويل، من أهمها إنشاء هيكل إقليمي للأمن والتحرك نحو تحقيق تقدم غير مسبوق في إرساء قواعد الأمن الإقليمي الشامل والمستقر.
وقال إن هذا التحرك حجر الأساس في تحسين البيئة الأمنية بشكل مستدام مع ضمان الاستقرار والازدهار في المنطقة. كما أكد أهمية دفع الزخم السياسي نحو المسائل الحيوية بالمنطقة مثل القضية الفلسطينية والعلاقات الثنائية بين السعودية وإيران من شأنه أن يهيئ الظروف لصالح تحقيق هذا الهدف الأمني المؤسسي الطموح. وشدد الفيصل على أن مربط الفرس في هذه المسائل جمعاء هو تكثيف الجهود نحو الوصول إلى حل الدولتين في القضية الفلسطينية: حيث تظل القضية الفلسطينية هي الجرح الدامي الذي يضعف المنطقة.
وقال إن الوصول إلى حل لها يظل من المسائل الضرورية والحيوية ويمثل جزءاً لا يتجزأ من جهود الحد من العنف في المنطقة لاسيما أن مبادرة السلام العربي، والتي تدعمها الدول الـ22 الأعضاء بجامعة الدول العربية والتي تلقى قبولاً من المجتمع الدولي، تمثل الحل الأكثر إشراقاً لتحقيق الاستقرار الحقيقي والمستدام.
وقال الفيصل إننا نؤيد أن تنتظم مباحثات المسار الثاني بين السعودية وإيران، لافتاً إلى أن العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران تمثل بما لا يدعو للشك أهم دافع من دوافع التغير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الجغرافي بمنطقة الشرق الأوسط. وبالتالي، تعد الجهود المنظمة والحيوية المبذولة في سبيل تنظيم الحوار بين تلك القوتين من المسائل ذات الأولوية الضرورية للمنطقة وللعالم بأسره.
وأخيراً، قال إنه يجب علينا أن نراعي مسألة ضرورة تشكيل مؤسسة أمنية إقليمية متطورة وحديثة لصالح منطقة الشرق الأوسط بأكملها.