صنعاء بين التحرير والتدمير

- ‎فيكتابات
المقاومة الشعبية والجيش الوطني سيطرا على معسكر فرضة نهم شرق صنعاء(ارشيفية)

بين ما نراه ونسمعه من تقدم كبير لقوات الجيش الوطني على مشارف صنعاء، وما يهدد به علي عبدالله صالح من محرقة ستحدث لقوات الجيش الوطني، إذا ما قررت دخول العاصمة، يبرز سؤال كبير: هل سيقدم صالح والحوثي على إحراق صنعاء وتدميرها في معركة خاسرة، كما دمر مدينتي تعز وعدن؟ أم سيسلم صنعاء ويفر بجلده؟
قارئ تاريخ حروب صنعاء يجد أنها كانت تسلّم في كل مرة، ولم يرد في تاريخ اليمن أن قاومت صنعاء جيوشاً حاولت دخولها سوى مرة، خلال حصار السبعين يوماً، حين ضربت القوات الملكية اليمنية عام 1967 حصارا على الجمهوريين المتحصنين في العاصمة صنعاء، دام سبعين يوما تخللته معارك داخل العاصمة، وعلى المناطق القريبة منها، وانتهى بانتصار الجمهوريين وتقهقر القوات الملكية وولادة الجمهورية اليمنية. أما اليوم فإن صنعاء أقرب للاستسلام منها لخوض معركة، ويدرك صالح والحوثي ذلك جيداً، على الرغم مما يشاع بأن صنعاء هي الحاضنة الكبرى لمليشيات الحوثي وصالح.
وترجع حتمية تسليم صنعاء لعدة عوامل، أولها التركيبة السكانية لساكني صنعاء، فهي مدينة يقطنها قرابة ثلاثة مليون، هم خليط من كل محافظات الجمهورية، ولهم انتماءات سياسية مختلفة، ولا يمثل الحوثي وصالح ومواليهما أكثر من ربع سكان صنعاء، فليست هي الحاضنة الكبرى لهم كما يُزعم، بل هما أقلية سياسية وطائفية تقطن صنعاء، وتملك السلاح وتسيطر على مراكز السلطة، فمعظم سكان صنعاء هم من مدن تعز وإب التي يحاربها الحوثي وصالح.
العامل الثاني ولاء القبائل التي تحيط بصنعاء، فحين اقتحمت قوات الحوثي وصالح العاصمة صنعاء، وأسقطتها عام 2014، لم يكن لها أن تحقق ذلك من دون شراء ولاء القبائل المحيطة بها، وكما سلمت القبائل صنعاء للحوثي وصالح، فإنها تبدي اليوم استعدادها لتسليمها للجيش الوطني، فالمعادلة بسيطة بالنسبة لمشائخ تلك القبائل “ادفع واستلم”.
العامل الثالث التصدع الحاصل في حلف قوات صالح والحوثي، والخلافات الدائرة حول السلطة، وإدارة دفة الحرب والصلاحيات الموزعة بين كليهما، ويُترجم هذا الخلاف على الأرض بالاغتيالات المتبادلة بين قيادات كلا القوتين.
يتمثل العامل الرابع في أن قوات المتمردين تعاني عجزاً في السلاح والمال، فكميات السلاح التي خزنها صالح، في سنوات حكمه، شارفت على النفاد، ولم يعد في وسعه الحصول على سلاح في ظل الحصار الذي تفرضه قوات التحالف، جواً وبراً وبحراً.
أضف إلى ذلك العجز المالي ونقص السيولة النقدية التي تواجهها قوات المتمردين، فخزينة البنك المركزي والمؤسسات الحكومية قد نهبتها قيادات حوثية ومؤتمرية وهرّبت أموالاً كثيرة خارج اليمن، وأنفقت أموالاً أخرى في بناء العمارات والمساكن الفخمة لكثير من قيادات المتمردين في العاصمة صنعاء. ولم يعد هناك ما يمكن دفعه من المال أجرة يومية لمقاتلين كثيرين في صفوف قوات الحوثي وصالح، فالمعلومات تقول إن قوات الحوثي وصالح تبيع السلاح وتفر من جبهات القتال هرباً من نيران المحارق التي رماهم فيها جنون الحوثي وصالح. ولمواجهة ذلك، تم تشكيل لجان من قوات الحوثي مهمتها تصفية كل من يبيع سلاحه ويفر من جبهات القتال.
العامل الأخير والأهم، هو الضائقة الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها سكان صنعاء، بسبب سيطرة قوات المتمردين عليها، وما تبع ذلك من حصار فرضته قوات التحالف والجيش الوطني، هذا العامل المهم سيجعل كثيرًا من ساكني صنعاء ممن لا يزالون يؤيدون قوات الحوثي وصالح تنفض من حولهم، فما قدموه لهم خلال عام ونصف من سيطرتهم على صنعاء لم يكن سوى الجوع والفقر والمرض، والمقابر الجماعية ووأد الحياة العامة، وتعميق الشرخ الاجتماعي والطائفي، وتعطيل مؤسسات الحكومة ونشاطاتها، وانتشار الخوف وفقدان الأمن، واستفحال مظاهر السلب والنهب باسم المجهود الحربي ومقارعة قوى الاستكبار والعدوان السعودي، وغيرها من الشعارات الكاذبة التي لم تزد اليمن إلا دماراً والشعب اليمني إلا تمزقا.
ظهورصالح قبل أيام في خطاب كوميدي هزلي، أعطى إيحاءً أن معركة صنعاء اقتربت، وأن الرجل يعيش حالة من التخبط واليأس الشديد والهزيمة النفسية الواضحة، ويحاول، بمناوراته الكلامية وتهديده باستمرار الحرب والدفاع عن صنعاء ودحر العدوان كما يسميه، أن يلعب بورقته الأخيرة، وهي تسليم صنعاء مقابل مرور آمن له ولأسرته خارج اليمن، ولا يهم بالنسبة لصالح مصير حلفائه من الحوثيين، والمغرّر بهم من الحرس الجمهوري واللجان الشعبية، فهم، في نظره، مجرد بيادق في رقعة شطرنج تقاتل وتموت، لينجو الملك بحياته، وإن لم يعط المرور الآمن، سيحرق صنعاء بما بقي لديه من سلاح.