في ختام عام من الحرب في اليمن، سيذهب كل من الحكومة والمتمردين إلى جولة مشاورات هي الثالثة من نوعها بينهما، المقرر عقدها في الثامن عشر من شهر نيسان/ أبريل الجاري، في الكويت، وقبل ذلك ستعقد هدنة هي الرابعة من نوعها خلال هذه الحرب، وستدخل حيز التنفيذ في العاشر من الشهر ذاته.
كل شيء يبعث على الاعتقاد بأن جولة الكويت لن تكون مثل سابقتيها جولتي جنيف وبيل، اللتين أراد الطرفان من خلالهما استنفاد الحُجة الدبلوماسية، فيما كان تركيزهما ينصب على تحقيق نتائج عسكرية ميدانية حاسمة.
أخفق الانقلاببيون بشكل واضح في تحقيق الحسم العسكري، وبدأوا بحصد النتائج المرة لمغامرتهم العسكرية، في ظل الهزائم المتتالية التي يتلقوها في الميدان، على يد القوات الحكومية والمقاومة اللذين لم يتوقفا عن إحراز الانتصارات، وإن كان ذلك يتم بوتيرة بطيئة نوعا ما، ومع ذلك جاءت الانتصارات الأساسية في هذه المعركة صاعقة وصنعت فرقا هائلا في معادلة القوة على الأرض.
هذه الإنجازات هي التي دفعت بالانقلابيين، وفقا للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، إلى الرضوخ للخيار السلمي، وإن كانت نواياهم تكتيكية حتى هذه اللحظة.
نائب رئيس الوزراء ،وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي، التقى مساء الجمعة الماضي نائب المبعوث الأممي إلى اليمن، كيني جلوك، ومعه المستشار العسكري للفريق الأممي العميد جون، ومعهما لجنة التهدئة والتواصل.
أرى في ذلك مؤشرا قويا على أن الأمم المتحدة هذه المرة تبدو أكثر استعدادا للتعاطي مع الأبعاد الميدانية لهذا الحراك الدبلوماسي متعدد الأطراف، الذي يدفع بطرفي الصراع في اليمن -الحكومة والانقلابيين- إلى مشاورات مثمرة في الكويت.
وقبل ذلك ربما يرغب الفريق هذه المرة في حراسة الهدنة، من أجل ضمان وقف شامل لإطلاق النار كما يتطلع إليه المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، ومن خلفه الأمم المتحدة، وبعض الأطراف الدولية المؤثرة.
لدى الحكومة اليمنية تصورات جاهزة بشأن تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، وأعتقد أن هذه التصورات صيغت بالشراكة مع المملكة العربية السعودية، ما يعني أنها قد تنطوي على تطمينات ولو شكلية للحوثيين، بإمكانية بقائهم جزءا من المشهد السياسي في اليمن، رغم تأكيد لمصادر سعودية بأن الحل النهائي سيضع حدا لمليشيا الحوثي، والأمر هنا بإعادة تكييف وجود الحوثيين في المشهد اليمني، بعيدا عن السلاح ونفوذه.
والبقاء في المشهد السياسي هو الذي دفع الحوثيين إلى أن يلقوا بكل آمالهم وتطلعاتهم في سلة التهدئة على الحدود مع المملكة، ويذهبون إلى الاعتقاد بأن التطورات في مسار التهدئة هي من ستحدد مصير مشاورات الكويت، في إشارة جاءت من طرف المتحدث باسمهم محمد عبد السلام، الذي لعب دورا أساسيا في تلك الترتيبات.
كل الدلائل تشير إلى أن الحوثيين ذهبوا منفردين، دون تنسيق أو تشاور مع المخلوع صالح، شريكهم في الحرب، على نحو يبرهن على أنهم يخوضون صراع وجود، وبأنهم يشعرون بالقلق حتى من شركائهم.
وفي هذا السياق، لا يريد الحوثيون أن تكون الحكومة شريكهم في ترتيبات السلام، وإنهاء الحرب، لأن جزءا أساسيا من تصورهم لتنفيذ القرار الأممي رقم 2216، يقضي بتشكل حكومة شراكة وطنية، وهم اسم فضفاض يعني بشكل مباشر الإطاحة بالرئيس هادي وحكومته، وتقويض مشروعية تدخل التحالف العربي على خط الحرب في اليمن، وضمان أن تأتي الحكومة القادمة مهيأة للتعاطي معهم طرفا مسلحا وترتيب حفلة تسليم صورية للأسلحة، لا تتفق مع ما يتطلع إليه اليمنيون، وهو هزيمة المليشيا، وإنهاء نفوذها المسلح قبل أي شيء آخر.
في مناخ الاستسلام الجماعي للانقلابيين، شكل الانقسام فيما بينهم أهم معالم المرحلة الراهنة، فقد احتفل المخلوع والحوثيون بشكل منفرد في صنعاء بمرور سنة على تدخل التحالف العربي، وكلاهما كان يريد مخاطبة الداخل الخارج بأنني رقم صاعب.
شيء واحد فقط ظهر فيه الانقلابيون وكأنهم على وفاق، وهو الحرص على رفع نبرة الخطاب الإعلامي، بالتزامن مع قرارهما الذهاب نحو السلام، على قاعدة تنفيذ القرارات الدولية والاعتراف بالمرجعيات الأساسية للعملية السياسة.
أرادا من هذا الاحتفال غسل عار الهزيمة والاستسلام، بقولهم هؤلاء هم أنصارنا، وها نحن بعد عام من تدخل التحالف ما نزال على قيد الحياة، وكأن الحرب بدأت فقط إثر تدخل التحالف، وليست الحرب التي شنوها على اليمنيين، واستدعت تدخل التحالف ودشن دورة حرب أهلية هي الأعنف والأوسع في تاريخ اليمن.
على الأرض ما تزال المعارك مستمرة، ويحقق فيها الجيش الوطني انتصارات مهمة، على التخوم الشرقية لصنعاء والساحل الغربي للبلاد، ولكنها دخلت مرحلة الجمود في جبهة مهمة واستراتيجية، هي محافظة تعز.
خارطة الحرب، التي تتوزع بين خذلان التحالف لجبهة مهمة مثل تعز ومضيه في دعم معارك تحرير الطوق الشرقي لصنعاء، تدلل على أن هناك على الأرجح أهداف خفية للحرب، وفي الوقت ذاته تدلل على أن الحرب ليست ميدانية فقط، بل ربما تكون أكثر شراسة في الميدان السياسي، في ظل الضغوطات الهائلة التي يتعرض لها التحالف وحكومة الرئيس هادي، من قبل العواصم الغربية، ويتم مؤازرتها بتقارير غير نزيهة ولا شفافة، من طرف المنظمات التابعة للأمم المتحدة.