من «عاصفة الحزم» إلى «التحالف الإسلامي»

- ‎فيكتابات

عند انطلاقة «عاصفة الحزم» (مارس 2015) بقيادة المملكة العربية السعودية، استجابةً لنداء الحكومة الشرعية، ونداء الحق والواجب والمصير المشترك، لنجدة وحماية الشعب اليمني ومقدراته وإعادة الأمن والأمل والاستقرار، تذكرت مطلع قصيدة أبي تمام في فتح عمورية: السيف أصدق أنباء من الكُتبِ

في حده الحدُّ بين الجِد واللعبِ.

عاث الحوثيون وحلفاؤهم فساداً في اليمن، نقضوا العهود والمواثيق، وانقلبوا على المبادرة الخليجية، وتمردوا على الشرعية، وتحولوا إلى مخلب لدولة «الولي الفقيه».

لقد كانت «عاصفة الحزم» نقلة نوعية في مسيرة العمل العربي المشترك، عززت قدرة العرب وثقتهم في أنفسهم وإمكاناتهم، وفي تحملهم مسؤولياتهم بأنفسهم وباتخاذهم المبادرات، دون الاعتماد على الحلفاء، وبخاصة الحليف التاريخي الأكبر الذي عقد صفقة مع الطرف الآخر المزعزع لأمن واستقرار المنطقة وأطلق يده فيها. عززت «عاصفة الحزم» قدرة العرب على تشكيل تحالف عربي يملك قوة الردع ويوجه رسالة إلى جارنا المسلم المشاكس، الداعم والممول للميليشيات المقوضة لأركان ومؤسسات الدولة الوطنية، بأن عقود الصبر والصمت على مشاريعه وتدخلاته ووكلائه وأذرعه قد ولت وانقضت.

لقد تصدت «عاصفة الحزم» لأخطر مهدد للأمن القومي العربي والخليجي، نظام الولي الفقيه وعملائه في المنطقة، وحمت المصالح العربية العليا، وتغير العالم بعد «عاصفة الحزم»، وها هم اليوم الحوثيون منكسرون والمخلوع (صالح) مذعن يطلب النجاة، ومشاريع إيران التخريبية تتهاوى وصنيعها «حزب الله» محاصر. لن تكون اليمن فارسية ولا العراق ولا سوريا ولا لبنان بعد اليوم، بعد أن نهض العرب بمسؤولياتهم في مواجهة المشاريع التدميرية.

كان لابد من استثمار قوة الدفع واستتباع النجاح في تشكيل تحالف إسلامي أقوى وأكبر، وهكذا نجحت السعودية في إعلان تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب في 15-12-2015 مكون من 39 دولة عربية وإسلامية، مقره الرياض، يقوم بدعم الجهود العسكرية وتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود ووضع الترتيبات المناسبة للتنسيق مع الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب وحفظ السلام، انطلاقاً من أن مواجهة الإرهاب هي معركتنا نحن المسلمين بالأساس كما قال العاهل الأردني، وأن مسؤولية استعادة وحماية الدين من الخاطفين والمشوهين لتعاليمه ومبادئه هي مسؤوليتنا أولاً وأخيراً، وقد قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، في ختام مناورات «رعد الشمال»، إننا فخورون بتضامننا، وبأن يشاهد العالم عزمنا جميعاً على ردع قوى الشر والتطرف ومحاربة الإرهاب.

صحيح أن هذا التحالف ليس موجهاً ضد إيران بشكل مباشر، لكنه موجه إلى عملائها ووكلائها وأذرعها وميليشياتها الموصومة بالإرهاب، وإلى كل التنظيمات الإرهابية، وبخاصة «داعش»، عبر استراتيجية تقوم على محاور أربعة: عسكرية وفكرية وإعلامية ومالية.

كان ذلك مما ذكرته في ورقتي لندوة «تحالف عاصفة الفكر»، في دورتها الثانية، والتي نظمها «مركز عيسى الثقافي» بمقره في مملكة البحرين، وقد شارك فيها عدد من المراكز البحثية والخبراء والمختصين، وافتتح الشيخ الدكتور خالد بن خليفة آل خليفة المدير التنفيذي للمركز الندوة بكلمة دعا فيها إلى ترسيخ التحالف الإسلامي وتحويله إلى «تكتل إسلامي»، وذلك بتعميق الروابط السياسية والثقافية بين الشعوب الإسلامية، فالشعوب هي التي تحمي التكتلات، وإلى زيادة التعاون الأمني والعسكري وإلى التصنيع العسكري، وزيادة التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية وصولاً إلى سوق إسلامية مشتركة.

ويُذكر أن انطلاقة مبادرة «تحالف عاصفة الفكر» تمت بدعوة من الدكتور جمال سند السويدي عبر «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، في مايو 2015، بهدف تشكيل تحالف يضم المراكز البحثية الخليجية والعربية ولتبادل الخبرات والمعارض، ويعمل على دعم متخذي القرار، بما يمثل نقلة نوعية في تاريخ العمل البحثي المشترك، خليجياً وعربياً، وقد عقد المركز أول ندوة لتحالف عاصفة الفكر في سبتمبر 2015، كياناً فكرياً وبحثياً داعماً للتحالف العربي والإسلامي.