إنطلاق حدث تأريخي اليوم .. سيغير معالم المستقبل الإقليمي ــ تفاصيل

- ‎فيعربي ودولي

خطف الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية، أنظار العالم على مدار الأيام الماضية، في زيارة تاريخية إلى مصر، أسست لمرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين البلدين، تستند إلى تاريخ من علاقات الأخوة والصداقة، لينطلق منها نحو أنقرة، تلبية لدعوة رسمية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
تعزيز البعد التاريخي للعلاقات مع تركيا:
وتكتسب زيارة الملك سلمان إلى أنقرة والتي ستمتد ما بين 11 و13 من نيسان/أبريل الجاري، ويعقبها مشاركته في أعمال قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، يومَي 14 و15 أبريل، أهمية خاصة تستمدها من البعد التاريخي للعلاقات بين البلدين، ومن الواقع الإقليمي والدولي الراهن، الذي يتسم بوتيرة سريعة تتطلب وضع تصورات متكاملة لتحالف سعودي تركي، ذي طبيعة استراتيجية قادرة على صياغة مواقف موحدة سواء إزاء أطماع إيران الإقليمية في العراق وسوريا واليمن، أو حيال ملف الإرهاب الذي عاد بقوة إلى الساحتين الدولية والإقليمية بل ضرب عمق تركيا والمملكة معا في هجمات يتبع منفذيها أسلوب الذئاب المنفردة بعد أن يأسوا من تنفيذ هجمات واسعة التأثير في البلدين.
قمّة منظّمة التعاون الإسلامي
كما تكتسب هذه الزيارة أهمية أخرى كونها تعقب زيارة رسمية دامت لخمسة أيام في ضيافة الدولة المصرية، وتقف على بعد خطوات منها القمة الإسلامية الثالثة عشرة، وهنا قد يجد الملك سلمان فرصة ذهبية من القمة لتخفيف حدة التوتر بين القاهرة والدوحة من جهة وبينها وبين أنقرة من جهة أخرى، فمن المعلوم أن العلاقات المصرية التركية تشهد حالة من الفتور منذ تولي الرئيس السيسي مقاليد الحكم، إذ أعلنت أنقرة عدم اعترافها بشرعية نظامه مرارا وتكرارا في أطار دعمها لجماعة “الإخوان”.
كما شهدت العلاقات المصرية القطرية تدهورا أيضا للسبب نفسه، إضافة إلى اتهامات القاهرة لقناة “الجزيرة” بعدم الحيادية في نقل أحداث “ثورة يناير” وما أعقبها من “ثورة 30 يونيو”، وأحداث “رابعة” الشهيرة. وبالطبع لدى الملك سلمان أرث من العلاقات الإيجابية مع أطراف هذه العلاقات المتوترة، تجعله الشخص المناسب القادر على إحداث خرق إيجابي يعيد العلاقات سواء المصرية التركية أو المصرية القطرية إلى سابق عهدها.
علاقات واعدة
ويعود تاريخ العلاقات بين المملكة العربية السعودية وتركيا في العصر الحديث، إلى عهود طويلة مرت بمراحل تطور عدة منذ بداية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1929، فعلى الصعيد السياسي شهدت هذه العلاقات مستوى عال من التنسيق والتشاور في الملفات الثنائية وكذلك فيما يتعلق بالملفات الإقليمية، في أطار دافئ من علاقات الأخوة والصداقة.
وعلى الصعيد الاقتصادي:
شهدت العلاقات بين البلدين، منذ توقيع اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي والفني عام 1973م، تطورًا مستمرًّا، إذ تشكلت على ضوء هذه الاتفاقية اللجنة السعودية التركية المشتركة، ومجلس رجال الأعمال السعودي التركي، لدعم مسيرة التعاون التجاري بين البلدين في ضوء تبني كلا منهما استراتيجية اقتصادية طموحة، فمن جهة تمتلك تركيا خطة لإيصال الناتج القومي إلى مستويات 2 تريليون دولار بحلول 2023، بينما تمضي السعودية في عهد الملك سلمان بخطى واثقة من أجل تقليل اعتمادها الاقتصادي على عائدات النفط بتنويع الصادرات في مجالات أخرى.
ويعزز هذا البعد الاقتصادي في العلاقات بين البلدين، أمور عدة لعل أهمها أن كلا البلدين عضو بمنظمة التجارة العالمية، ففحين تعد تركيا مدخلا للقارة الأوروبية، تعد السعودية أيضا مدخلا للخليج العربي باعتبارها الدولة الأكبر في منظمة دول التعاون الخليجي، ووفقا لإحصائيات رسمية بنهاية العام 2014 زاد حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى (22) مليار ريال، وفي المقابل بلغ عدد المشاريع المشتركة بينهما حوالي 159 مشروعا، منها 41 مشروعا صناعيا، 118 مشروعا في مجالات غير صناعية تختلف باختلاف نشاطاتها، وبرأس مال مستثمر يبلغ مئات الملايين من الريالات.
التعاون العسكري:
هذا فضلا عن التعاون العسكري بين البلدين الذي ظهر قويا في انضمام تركيا سريعا إلى التحالف الإسلامي العسكري الذي أعلنته المملكة منذ أشهر، ومن قبله اتفاقيات التعاون العسكري التي أبرمت أخيرا عبر شركة “أسلسان” التركية للصناعات الدفاعية مع المملكة العربية السعودية ممثلة في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وشركة تقنية الدفاع، ومن قبلها الاتفاقيات التي ابرمتها وزارة الدفاع السعودية مع شركات تركية لتصليح وتصنيع عربات مصفحة للجيش السعودي، في خطوة يرى مراقبون أنها قد تتوسع مستقبلا لاسيما في مجالات تصنيع الذخائر والصناعة البحرية والطائرات من دون طيار، اعتمادا على الخبرة التركية في هذه المجالات ورغبة المملكة في توطين الصناعات العسكرية على أراضيها.
ويرى المحللون، أن أوجه التعاون بين البلدين باتت أكبر بكثير مما كانت عليه من قبل وصول الملك سلمان إلى سدة الحكم وكذلك أردوغان الساعي إلى توطيد علاقات بلاده بعمقها العربي والإسلامي، ويدعم هذا الرأي ما يتمتع به البلدين من موقع استراتيجي على خارطة القرار الإقليمي والدولي، وتطابق في المواقف السياسية حيال العديد من القضايا لاسيما الملفين السوري والعراقي، وكذلك رفضهما الواضح لتدخل إيران في شؤون دول الجوار.
زيارات لها تاريخ
وتعيد زيارة الملك سلمان للعاصمة التركية إلى الأذهان زيارة الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز عام 1966 إلى إسطنبول، والتي كانت فاتحة خير للعلاقات بين أنقرة والرياض وأرست قواعد الإخاء والصداقة، لتأتي زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعدها بعشرات الأعوام وتحديدا في 2006 لتبني على ما أسس له الفيصل، وتشكل علامة فارقة في تاريخ تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ أثمرت وقتها عن توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية التي كان أبرزها اتفاقية بشأن التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات بين حكومتي الدولتين.
كما تعيد هذه الزيارة التاريخية لسلمان الحزم إلى أذهان متابعي الشأن السعودي، زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة في فبراير الماضي، والتي حل فيها ضيفا على المملكة للتهنئة بوصول الملك سلمان إلى سدة الحكومة والتشاور حول عدد من الملفات الثنائية، في زيارة امتدت لأيام وفتحت صفحة جديدة من التعاون الوثيق بما يخدم مصلحة البلدين والمنطقة ككل، انطلاقا من موقع تركيا والسعودية الفاعل والقوي سواء في منظمة التعاون الإسلامي أو المنظمات الدولية الأخرى.
زيارة الملك سلمان اليوم إلى أرض الأناضول ستكون من وجهة نظر مراقبين للشأن الشرق أوسطي، حدثا للمستقبل، يعيد تشكيل معالمه وفرصه ويتصدى لتحدياته بكل الإرث الإيجابي الذي يجمع البلدين.