تحتضن دولة الكويت ابتداء من اليوم انعقاد الجولة الثالثة من المحادثات بين الأطراف اليمنية، من أجل التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الحرب الدائرة منذ أكثر من عام، والتي تسببت في مقتل الآلاف، وتشريد عشرات الآلاف، فضلا عن تدمير آلاف المنشئات والمساكن، وكذا تدمير الاقتصاد اليمني.
تأريخ عريق
وتأتي استضافة دولة الكويت، لهذه الجولة، امتدادا للأدوار التاريخية، التي اضطلعت بها دولة الكويت، تجاه اليمن والشعب اليمني، حيث تعتبر دولة الكويت، من أوائل الدول التي مدت يد العون، للشعب اليمني، ولحكومته، بعد ثورة 26 سبتمبر المجيدة، فضلا عن كونها، من أوائل الدول التي اعترفت بالنظام الجمهوري، في شمال اليمن، عقب قيام ثورة سبتمبر ضد حكم الإمامة.
داعم وحاضن
ظلت العلاقات اليمنية، الكويتية، في نمو مستمر، حتى أصبحت الكويت، من أكبر الدول الداعمة لليمن، من الناحتين السياسية والاقتصادية، وكان لها دور بارز وكبير في التمهيد للوحدة اليمنية، من خلال دعم مسيرة الوحدة، والاجتماعات التمهيدية، ابتداء، بتوقيع اتفاقية القاهرة، في 28 أكتوبر، 1972، ومن ثم بيان طرابلس، في 28 نوفمبر 1972م، ومن ثم استضافة القمة بين الرئيسين آنذاك، علي عبد الله صالح وعبد الفتاح إسماعيل في العاصمة الكويت خلال الفترة 28- 30 مارس 1979م برعاية أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، وصولا إلى إعلان وحدة اليمن في 22 مايو 1990.
دور تنموي
كانت الكويت، منذ سبعينات القرن الماضي، وحتى بداية عقد التسعينات، من أكثر الدول، الداعمة للتنمية في اليمن، في مختلف المجالات، الاقتصادي، والتعليمي، والصحي وغيرها.
حيث مولت الكويت، خلال تلك الفترة، إنشاء العديد من المشاريع، منها مستشفى الكويت، إضافة إلى بناء خمسة مستشفيات، أخرى، منها المستشفى العسكري بصنعاء، ومستشفى الحديدة العام، وثمانية عشر مستوصفا صحياً والمعهد الصحي، وبنك الدم والمختبر المركزي، بجانب 10 مستوصفات صحية في مناطق مختلفة من الجمهورية، فضلا عن بناء كلية الشرطة، ومبنى الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد.
وفي مجال التربية والتعليم، ساهمت الكويت، في بناء جامعة صنعاء، من خلال التكفل ببناء معظم المرافق الهامة بالجامعة، خلال فترة السبعينات والثمانينات، إضافة إلى المساهمة في بناء ما يقارب 50 مدرسة ابتدائية وإعدادية وثانوية في عدد من محافظات اليمن، كما قامت ببناء دار الكتب بصنعاء، بالإضافة إلى مسجدين في محافظتي تعز والحديدة، فضلا عن قيامها بدفع رواتب المدرسين الوافدين في العديد من المدارس الثانوية، وكذا جامعة صنعاء، لعدة سنوات.
تنمية واقتصاد
وفي جانب التنمية الاقتصادية، قدمت الكويت، لليمن، العديد من القروض، لتمويل، عدد من المشاريع التنموية، في مختلف القطاعات، حيث بلغ إجمالي القروض المقدمة من الكويت، خلال الفترة ما بين 68-1989م، حوالي 48.972.329 ديناراً كويتياً، شملت 16 قرضا تركزت في العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية.
كما قدمت الكويت، مساعدة سخية لبناء مساكن في المناطق المتضررة من الزلزال الذي ضرب محافظة ذمار في العام 1982بمبلغ 10 ملايين دولار، في حين ساهمت الكويت، في تمويل مشاريع هامة في المحافظات الجنوبية، قبيل إعلان الوحدة، منها تمويل مشروع سكني يحتوي على 600 شقة سكنية في مدينة المنصورة بعدن بكلفة إجمالية بلغت 7.8 مليون دينار كويتي، والذي تم إنجازه في عام 1985م.
كما قامت دولة الكويت، “ببناء 31 مدرسة موحدة وثانوية، بالإضافة إلى 6 أقسام داخلية كما تم بناء 3 معاهد للمعلمات بالمكلا، ومعهد صناعي بدار سعد، ومعهد التنمية الإدارية، وبناء سكن داخلي لطلاب كلية التربية بعدن وبناء دورين لرياض الأطفال بالإضافة إلى بناء المكتبة الوطنية، وفي المجال الصحي تم بناء 8 مستشفيات في كل من عدن، لحج أبين، بالإضافة إلى مركزين صحيين في شبوة والمهرة”، إضافة إلى أن الصندوق الكويتي للتنمية قام بتمويل مشروع توسيع وتطوير ميناء عدن، ومشروع تمويل الطاقة الكهربائية المرحلة الثالثة ومشروع طريق المكلا وادي حضرموت.
تنكر المخلوع
في بداية أغسطس، من العام 1990، كان المنطقة العربية، والعالم على موعد، مع حدث عالمي، مثل تحولا جذريا في مسيرة العلاقات بين اليمن والكويت، فضلا عن كونه ألقى بضلاله على طبيعة العلاقات والسياسات في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما، ذلك الحدث يتمثل في غزو الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين للكويت، وهي العملية، التي كانت سببا في شن حرب الخليج الأولى، ضد نظام صدام آنذاك.
وبينما كانت الكويت، تقدم القروض والمساعدات لليمن، وتمد يد العون، في كافة المجالات، بادر الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، بإعلان وقوفه إلى جانب صدام حسين، حيث انحاز صالح إلى جانب الرئيس العراقي، الذي ارتكب حينها أحد أكبر الأخطاء التي شهدتها المنطقة العربية عموما، وهو غزو الكويت.
وتسبب موقف المخلوع صالح هذا، في انقطاع العلاقات بين اليمن والكويت بشكل تام، لأكثر من 7 سنوات، واعتبر هذا من المواقف التي لن تنسى للمخلوع، إزاء اليد الكويتية التي امتدت له، وساهمت في إنعاش الاقتصاد اليمني، وانتشاله من حالة الوهن التي كان يعيشها.
عودة العلاقات
لكن، وفي العام 2008، بدأت الاتصالات بين الجانب اليمني والكويتي، من خلال تبادل الزيارات لعدد من المسؤولين، وهي الزيارات التي توجت في فبراير من العام 2009، بزيارة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح إلى اليمن، حيث مثلت الزيارة، بداية إعادة مسار العلاقات لسابق عهدها، علما بأن موقف المخلوع من غزو العراق، قد تسبب في إلحاق الأذى باليمن، وشعبها، على كافة المستويات، منها على سبيل المثال، توقف المنح والقروض، وأيضا، ترحيل الآلاف من المغتربين اليمنيين ممن كانوا في الكويت، وإعادتهم إلى اليمن، الأمر الذي تسبب في كارثة حقيقية لم تتعافى منها اليمن، لعدة سنوات لاحقة.
يد ممدودة
وبالرغم من كل ما حدث، إلا أن دولة الكويت، عادت بعد العام 1999، لمد يد العون، لليمن، من خلال تقديمها منح وقروض، بقيمة مئات ملايين الدولارات، لصالح العديد من المشاريع التنموية والخدمية، في اليمن، ولا تزال الكويت حتى اللحظة، تسعى جاهدة لتقديم المساعدة لليمن، في مختلف المجالات، حيث كانت الكويت ضمن دول التحالف العربي، التي تدخلت في اليمن لدعم الشرعية، ولإنقاذ اليمن واليمنيين من الإنقلاب الدموي.
كما ساهمت الكويت، في تقديم المساعدات الإغاثية طيلة الأشهر الماضية، للمتضررين من الحرب، في عدة محافظات، فضلا عن تكفلها بقطاع الغذاء في الخطة التي أقرتها دول مجلس التعاون مؤخرا، في سياق عملية إعادة الإعمار التي نوقشت على نطاق واسع في مجلس التعاون وأقرت بعد نقاش مع الجانب اليمني.