عن لقاء الكويت

- ‎فيكتابات

تحدث الكثير عن فرص كبيرة لنجاح لقاء الكويت بين المتمردين الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة، وبين وفد الحكومة اليمنية من جهة أخرى لإحلال السلام في اليمن.
المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحاط مجلس الأمن الدولي بقوله: إن اليمن اليوم أقرب إلى السلام من أي وقت مضى، لكنه عاد وقال: إن اليمن على مفترق طرق، أحدها يقود إلى الحل والآخر إلى الأزمة. تصريحات سعودية بدت متفائلة خلال الأسابيع الأخيرة بناء على مباحثات سبقت جولة الكويت، وتمت بين مبعوثين حوثيين ومسؤولين أمنيين سعوديين. ناطق الحوثيين يصرح بأنهم موافقون على القرار الدولي، ومستعدون لتسليم الأسلحة يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي. التفاؤل كان طابع المشهد خلال الأسبوع الماضي.
وفجأة، يوم الاثنين الماضي يرفض الحوثيون ووفد صالح الذهاب إلى الكويت بحجج تبدو واهية مثل «عدم احترام الهدنة»، و»عدم وضوح جدول أعمال لقاء الكويت»، واستمرار الضربات الجوية. نقول «حجج واهية» لأنه على الرغم من أن الهدنة لم تحترم منذ اليوم الأول الذي سرت فيه في 10 من الشهر الحالي، إلا أن الحوثيين كانوا مستمرين في إبداء رغبتهم في الذهاب للكويت، رغم الخروقات التي شهد رئيس لجنة مراقبة الهدنة في تعز بأن الحوثيين هم من يقوم بها، فما الذي استجد حتى يمتنع الحوثيون عن الذهاب إلى الكويت يوم 18 من هذا الشهر؟
أما ما يخص الطلعات الجوية واستمرارها، فأراد الحوثيون تحييد طلعات قوات التحالف لكي تتسنى لهم استعادة المناطق التي سيطر عليها الجيش الوطني والمقاومة مدعومين بهذه الطلعات، على أساس اعتقادهم أن لدى الحوثيين وصالح قوة برية لا تقارن بما لدى المقاومة الشعبية، بما يمكنهم من اكتساح مواقع قوات الحكومة في ظل غياب الغطاء الجوي. أما ما يخص «عدم وضوح جدول الأعمال»، فحجة مضحكة، لأن جدول الأعمال واضح تماما وأرسل للأطراف المختلفة في حينه، وذكر ولد الشيخ لمجلس الأمن يوم الجمعة الماضية أن جدول الأعمال يدور حول النقاط الخمس، وهي: نزع السلاح، وانسحاب المليشيات، ولجان لحفظ الأمن، ولجان لمتابعة المعتقلين، والنقطة الخامسة تتمثل في استكمال الحوار السياسي.
الحكومة اليمنية توجهت قبل الموعد بيوم واحد، مدعومة بقرارات دولية وبمخرجات حوار وطني وبمبادرة خليجية، والمتمردون توجهوا متأخرين بيومين، بعد أن مورست عليهم ضغوط كبيرة للحضور إلى الكويت. حوار الكويت يستند إلى المشروعيات الثلاث، وهي: المشروعية الوطنية (مخرجات الحوار الوطني)، والمشروعية العربية (المبادرة الخليجية)، والمشروعية الدولية، (القرارات الدولية، وآخرها القرار 2216). المتمردون الحوثيون لا يقرون بالمبادرة الخليجية التي أصبحت مبادرة عربية، بعد تبني الجامعة العربية لها، ثم أصبحت مبادرة أممية بعد تبنيها من قبل الأمم المتحدة التي أصدرت قراراتها ذات الصلة بالشأن اليمني وفقا لها. الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي وقع على المبادرة الخليجية يتعمد الآن موقفا ضبابيا منها، أما بالنسبة لمخرجات الحوار الوطني فإن طرفي التمرد يمارسان سياسة الغموض كذلك في ما يخص هذه المخرجات. وقد سبق للرئيس السابق الإعلان عن أن مخرجات الحوار الوطني لم تعد ملزمة بعد «العدوان السعودي على اليمن». الحوثيون الذين أسقطوا حكومة الوفاق الوطني، ودخلوا صنعاء بقوة السلاح، فعلوا ذلك بحجة تطبيق مخرجات الحوار الوطني، ومعلوم أن ما تلا «احتلال صنعاء» من قبل المليشيات، وما قبله يعد مناقضة صارخة لمخرجات الحوار الوطني، وإن تمت باسم تطبيق هذه المخرجات.
ومع كل تلك الإشكاليات، قررت الأمم المتحدة بدء جولة المحادثات الثالثة لإحلال السلام في اليمن في الكويت يوم 18 من الشهر الحالي. الوفد الحكومي ذهب قبل الموعد بيوم واحد، فيما حضر المتمردون متأخرين بيومين، كما أسلفنا. وإذا كان لنا أن نأخذ برمزية الأمور، فإن الحضور قبل الموعد بيوم، والحضور بعده بيومين يمكن أن يؤشر على حجم ونوعية رغبات كل طرف من الأطراف التي ذهبت إلى الكويت. دعونا نؤسس لبعض المسلمات هنا: الحرب يجب أن تقف لأن البلاد لم تعد تحتمل المزيد من الانقسامات، والاقتصاد ينهار بشكل كارثي، والآفات الاجتماعية التي تنتجها الحرب ستظهر بشكل كارثي في اليوم الأول الذي سينكشف فيه غبار المعارك. ومع المطالبة المحقة بوقف الحرب، فإن وقف هذه الحرب يجب ألا يكون على أساس التوقف الذي يعني التأسيس لحرب مقبلة. وهذا يعني أن يكون وقف الحرب على أساس تطبيق التزامات الأطراف المختلفة الواردة في القرارات الدولية والمبادرة العربية ومخرجات الحوار الوطني.
أي تسوية يجب أن تكون على أساس هذه المشروعيات الثلاث المتمثلة في (القرارات الأممية والمبادرة ومخرجات الحوار)، وأهم ما نص عليه القرار الدولي: نزع سلاح المليشيات، ولا شك أن في مقدمة هذه المليشيات مليشيات الحوثيين، وما التحق بها من متحوثين، وبالطبع فإن نزع سلاح المليشيات الحوثية سيفضي إلى احتكار الدولة للسلاح، الأمر الذي سيمكنها من مكافحة مليشيات «القاعدة» و»داعش» وغيرها من المجاميع المسلحة والإرهابية في البلاد. أي صيغة للحل تبقي على أسلحة الدولة التي نهبها الحوثيون في أيديهم لا تعني إحلال السلام، وتوقف الحرب، بقدر ما تعني التأسيس لجولة مقبلة من الحرب.
في القرار الدولي 2216 هناك إشارة إلى انسحاب الحوثيين من المدن التي دخلوها بقوة السلاح، وهنا يجب الإشارة إلى أن الحوثيين استبقوا الالتزام بهذه المادة بدمج أكثر من 30 ألفا من عناصر مليشياتهم في قوى الأمن، ومثل هذا العدد وأكثر في الجيش، في المحافظات التي يسيطرون عليها، لكي يقطعوا الطريق على المطالب الدولية بسحب عناصر هذه المليشيات، تماما كما فعلوا في التفافهم على المادة التي تنص على وجوب تسليمهم أسلحة الدولة التي نهبوها أو سلمت لهم من مخازن الجيش والأمن، بحديثهم عن أن أغلب هذه الأسلحة قد تم تدميره، في الوقت الذي أخذوا هم أغلب هذه الأسلحة إلى مغارات جبلية وخنادق في بطون الوديان في محافظة صعدة ومديرية حرف سفيان.
وصول وفد الحوثيين متلكئا إلى محادثات الكويت قد لا يكون إشارة طيبة على نوايا حسنة، ولكن تكثيف الضغوط عليهم من قبل المجتمع الدولي سيؤتي نتائجه لصالح حل سلمي مستدام في البلاد التي أنهكتها الحروب.
على وفد الحوثي وصالح أن يكف عن النظر إلى جولات المحادثات على أساس أنها «تكتيكات» للتملص من الاستحقاقات، وعلى وفد الحكومة اليمنية التمسك بالمشروعيات الثلاث المذكورة كأساس للحل في اليمن، وأي تفريط في واحدة منها فإنه لن يعد على أساس انه تنازل لإحلال السلام، ولكنه سيكون تفريطا في مستحقات وطنية ضمنتها تلك المشروعيات المؤسسة في الحوار الوطني والمبادرة الخليجية والقرارات الدولية.
بالطبع لا يعني ذلك أن الحوثيين وحليفهم صالح يتحملون وحدهم تبعة تنفيذ القرارات الدولية، بقدر ما يعني أن الدولة هي القادرة على التنفيذ، والدولة تعني دولة جميع مواطنيها بتوجهاتهم السياسية والمذهبية والفكرية والآيديولوجية المختلفة.
أخيرا للكويت رمزيتها الخاصة في وجدان اليمنيين، وقد سبق لها أن ضمدت جراحاتهم، وأصلحت بينهم في مراحل تاريخية حرجة. لعل اللقاء ينجح هذه المرة، وإذا فشل فعلى المبعوث الدولي أن يحط النقاط على الحروف، ويتحدث عمن تسبب في إفشاله.