يتحدث السفير اليمني في واشنطن، عضو فريق الاستشاريين والخبراء المصاحبين للفريق الحكومي للمشاورات في الكويت، أحمد عوض بن مبارك، عن ضغوط دولية تمارَس لتحريك الملف السياسي في اليمن، وعن تصوُّر الحكومة للشراكة وتفاصيل نقاط التباين وصراع الحوثيين وجماعة المخلوع علي عبد الله صالح في هذا الحوار الذي خص به “العربي الجديد”.
* منسوب التفاؤل كان عالياً عقب وصول لجنة التواصل والتهدئة إلى الكويت، قبل أن يبدأ بالخفوت تدريجياً مع تأخر الانقلابيين، هل ما زال هناك أمل؟
بالتأكيد، إن ما جرى أثّر سلباً. كان الجو العام يشير إلى أن هذه المرة سيكون الأمر مختلفاً عن سابقاتها، من خلال وجود عدد من الاتفاقات التي سبقت مجيء الوفود، لا سيما الإطار العام الذي تم التوافق عليه في بال السويسرية، الذي حدّد الأجندة الواضحة لهذه الاجتماعات، التي أكدت على المرجعيات الأساسية وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الدولي 2216. لم يعد الحديث في إطاره العام، ولكنه تحوّل إلى إطار من ثلاث نقاط في ثلاث مجموعات. تتحدث المجموعة الأولى عن إجراءات بناء الثقة، والثانية عن آليات تنفيذ القرار الأممي 2216، والثالثة لها علاقة باستئناف العملية السياسية، وهي التي بُذلت فيها جهود كثيرة من قبل المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
”
إشكالية اليمن أكبر من قضية الشراكة مع الحوثيين
” أما عن ارتفاع منسوب التفاؤل سابقاً، فقد كان لسبب استكمال ما بوشر به سابقاً وتمّ التوافق عليه لاحقاً، وكانت هناك تأكيدات كبيرة من خلال المبعوث الأممي تدفع باتجاه نجاح الحوار. صحيح أن الحركات الأخيرة التي قام بها الانقلابيون من تأخر وتركيز على قضايا جانبية قد أثرت، لكنني لا أريد أن أفقد الأمل. بالتأكيد نحن طرف رسمي حكومي، معني بالسلام أكثر من أي طرف آخر، ومعني بتحقيق هذا السلم. وهذا كان مطلبنا الأول منذ بداية العملية السياسية، ونحن حريصون على هذا المطلب، لكن هذا الطرف هو من انقلب على هذه العملية، لذلك نقول إن هناك خارطة واضحة لاستئناف مسار العملية السياسية.
* من أين؟ هل من الشراكة التي يدور الحديث عنها الآن؟
الآن إشكالية اليمن أكبر من قضية الشراكة مع الحوثيين، ولا يمكن تصور أن اليمن كله والدولة في جهة والطرف الانقلابي في جهة أخرى، والمطلوب تقاسم الكعكة فقط. إن انسقنا وراء هذا الأمر، نبدو حينها وكأننا لم نتعلم من درس 2012، الذي أعتقد أن أكبر خطأين استراتيجيين في هذا الدرس، هما القبول ببقاء علي عبدالله صالح ممسكاً بخيوط اللعبة، من خلال رئاسته لـ”المؤتمر الشعبي العام” بكل ما يملكه من أموال وعلاقات، والثاني إعطاء ميزة سياسية لطرف عقائدي مسلح، للاستفادة من العملية السياسية، من دون أن تكون هناك أية التزامات عليه، وبقي ممسكاً بالسلاح. بالتالي كان هذا الطرف يقاتل في دماج، ويحاور في صنعاء، ويتظاهر في الشوارع في وقتٍ واحد. أعتقد أن هذه قضايا مهمة، ومقدمة لانفجار قادم، علماً بأننا أخّرنا الانفجار منذ عام 2011 إلى عام 2015. أعتقد أن هذه من الدروس السياسية التي يجب أن نتعلّم منها.
* هل يعني أن كل هذه الحرب والدمار والقتل هي فقط من أجل أن نصل لتقاسم؟
”
عندما نتكلم عن الحوثيين في هذه المسألة نتحدث عنهم كطرف سياسي
” أنا أيضاً أريد أن أسأل: تقاسم بين من ومن؟ نحن عندما نتكلم عن الحوثيين في هذه المسألة نتحدث عنهم كطرف سياسي، والحوثي كطرف سياسي غير مسلح كان موجوداً منذ البداية وحقه في الشراكة، مثله مثل أي طرف يمني، على الرغم من كل الذي قام به من دمار للنسيج اليمني وإحداث شرخ لن يندمل في المجتمع. مع ذلك، وحرصاً على السلام، لم يدر حتى اللحظة أي حديث عن إقصاء، وكل الأطراف السياسية الأخرى تقرّ بذلك، لكن الحوثي كطرف سياسي أولاً، ليس ممثلاً لطائفة ولن يقبل أحد بذلك، ولن نقبل بالحديث عن مجموعات جهوية أو مجموعات طائفية أو سلالية. نحن لا نتحدث عن هذا الأمر وكأن لدينا مجموعات، لذلك حين نتحدث مع الحوثي كحركة سياسية إذن يجب أن يعودوا كحركة سياسية، وأن يكون الأمر واضحاً حيال ذلك.
الحوثي ليس ممثلاً لصعدة، ولا ممثلاً للزيدية، ولا ممثلاً للهاشمية، لأن هذه التفريعات موجودة في كل المكونات السياسية. وإذا قبلنا بهذا الحصر، فمعنى ذلك أننا سنطلب من كل شخص له علاقة بهذه العناوين، الخروج من مكوّنه السياسي والانضواء في صفوف الحوثيين. سيقود هذا إلى انقسام عمودي في المجتمع اليمني، لا يمكن القبول به، واليمن ليست العراق، وليست لبنان، ولا يُمكن أن يكون هناك تقسيم في اليمن قائم على هذا الأساس. وأعتقد أن أهم ما استطعنا أن نحافظ عليه خلال الفترة الماضية، هو حصر الصراع بين شرعية وانقلابيين، رغم كل المحاولات التي تمّت، وحتى أن عمليات التحالف حافظت على عناوين هذا الصراع، بين دولة وانقلابيين.
* أنت قريب من المجتمع الدولي، وهناك حديث عن ضغوط بألا يخرج المفاوضون من الكويت إلا باتفاق. ما صحة هذا الأمر؟
بالتأكيد الجميع، ونحن قبل المجتمع الدولي، حريصون على الوصول إلى تسوية تاريخية، لا تسوية على قاعدة تأجيل الانفجار. المجتمع الدولي بشكل عام حريص على اليمن، قرارات مجلس الأمن تؤكد على وحدة واستقرار اليمن، وحريص على إيقاف الحرب لأن له تأثيرات إنسانية كبيرة في اليمن. لا أعلم مثلاً كيف للضمير اليمني أولاً، أو المجتمع الدولي ثانياً، أن يسكت عما يحدث لتعز. مدينة فيها كل هذه الكثافة السكانية، ومحاصرة، ويُمنع حتى وصول أنابيب الأوكسجين إليها. هذه النتيجة المباشرة من نتائج الحرب، وأنا حين أتكلم عن الحرب هنا، لا أتكلم عن القصف الجوي. يحاول الجميع القول إن الحرب بدأت في 26 مارس/آذار 2015، الحرب بدأت منذ أن قرر الحوثيون مهاجمة دماج، ثم التوغل في عمران، ثم حصار صنعاء وإسقاط الدولة، قبل التوجّه إلى عدن، وقصفوا مقرّ رئيس الجمهورية باستخدام طائرات الشرعية، وبسبب كل هذا قامت “عاصفة الحزم”.
المجتمع الدولي بدوره داعم للشرعية، وداعم للتسوية السياسية المستندة على القرار الأممي 2216. في النهاية فإن الحوار سيكون يمنياً ـ يمنياً، الأطراف الرئيسية يمنية. بالتأكيد إن هناك إسناداً وتنسيقاً خليجياً باعتبارنا “خلية واحدة”، وهناك دعم دولي ورغبة في تحقيق السلام.
* أتحدث عن الضغوط، هل هناك ضغوط؟
نعم هناك ضغوط، لكن علينا كطرف رسمي معني بهذه العملية بمجملها، أن نوضح للمجتمع الدولي الفجوات هنا وهناك. وألا يتم دفعنا إلى تسوية، قد تقود إلى مواجهات أكبر وأشمل.
* لو انتقلنا إلى تفاصيل المشاورات، هل تشكيل اللجان، المتخصصة بتنفيذ النقاط الخمس، يُمكن أن يُحدث أي تقدم في المسار التفاوضي؟
ربما، لكنها تفاصيل فنية، فما يهمنا في البداية هو التطبيق والتنفيذ. لا يُمكن القيام بشيء قبل أن نستعيد الدولة، التي هي الحاضنة، والتي ستضمن لكل الأطراف مساواة في التنافس السياسي وفي المشاركة في بناء الدولة. نحن حريصون على جمع جميع الأطراف على قاعدة مفادها بأن الدولة هي من يحتكر السلاح، وأن تكون لكل الأطراف وسائلها السلمية. أما تقنية المفاوضات فمسألة بعهدة المبعوث الأممي، التي يتناقش فيها مع فريقنا المفاوض. مبدئياً، لا يُمكن القفز على هذه المراحل، وإلا لعدنا مرة أخرى لمرحلة توقيع السلم والشراكة (الموقّع في 21 سبتمبر/أيلول 2014)، الذي تمّ توقيعه حين أمسكوا بكل خيوط ومؤسسات الدولة.
* هناك أسئلة مطروحة عن الحكومة التي يمكن أن تتسلم السلاح ومؤسسات الدولة، هل لدى الحكومة ذاتها الإجابة على هذا السؤال؟
هناك إجابات تفصيلية لهذا الأمر من الفريق الحكومي والفرق المساندة، وقد تم تحضير أوراق عمل مساندة ولديها إجابات عن كل هذه الأسئلة.
* لو تحدثنا عن صحة موضوع الخلافات بين الحوثيين وصالح، هل يمكن أن تكون هذه الخلافات عائقاً أمام أي اختراق سياسي تجاه حل الأزمة؟
لا أعتقد أن هناك خلافات، مهم جداً أن نميز بين علي عبدالله صالح والحوثيين، لكنني أعتقد في هذه المرحلة أنهم في جبهة واحدة. هناك كثير من قواعد المؤتمر الشعبي، تخوض مواجهات مع الحوثيين، وهناك استهداف لكثير من قواعد المؤتمر من قبل الحوثيين، لكن صالح وحلقته الضيقة يقفون في الخندق نفسه مع الحوثيين يقاتلون من أجل ذات المصالح، ولا يمكن أن نشهد انفصالاً بينهما. تكتيكياً يحاولان أن يلعبان لكنهما بالتأكيد على مسافة متقاربة من بعضهما بعضاً.
* ماذا عن التقارب الحالي بين الحوثيين والسعودية، والحديث الإيجابي لرئيس وفد الحوثيين في السعودية في حوار له مع صحيفة سعودية؟
هناك مبالغة من قبل الحوثيين في هذا الأمر، في ظلّ حجم التسويق لمفردة “العدوان السعودي” وضخّ المواد الدعائية والأناشيد. ولكن أن يصلوا اليوم إلى القناعة، فأعتقد أن هذه حالة إيجابية. ونحن من البداية نقول إن السعودية هي شريك استراتيجي لليمن على مر العقود. وهي الدولة الحليفة الأكبر والداعم الاقتصادي الأكبر لليمن، والملايين من المغتربين اليمنيين يعملون فيها. ومنذ أن دخل الحوثيون إلى صنعاء ونحن ننبّه إلى خطورة التعاطي مع السعودية بتلك الطريقة، ونُحذّر من أضراره بحقّ اليمنيين. لكن هل هذا التذلل الكبير والمبالغة، هل هي تكتيك؟ لا أعلم، لكن أتمنى أن يكونوا صادقين في الوصول إلى هذه القناعة.
* هذه اللغة، ولو تكتيكية، إلا أننا لم نشاهدها من صالح؟
أعتقد أن هناك انزعاجاً من الحوثيين في هذا الشأن، حين بادروا منفردين واتجهوا إلى السعودية. وأتمنى أن يدرك الجميع أن اليمن جزء أصيل من هذه المنطقة وعمق الجزيرة العربية، وشريك رئيسي لمنظومة مجلس التعاون الخليجي. نحن نبني على البيان الأخير الذي صدر عن اجتماع مجلس التعاون الخليجي، الذي أكد على اتخاذ خطوات عاجلة في تكامل انضمام اليمن إلى المنظومة، وهذا لا يُمكن أن يتم إلا باتفاق كافة الأطراف في المعادلة في اليمن بهذا الأمر.