لم تكتف مليشيات الحوثيين (ذراع إيران في اليمن)، بالانقلاب على السلطة الشرعية وإشعال فتيل حرب طاحنة في اليمن، بل تخوض هذه المليشيات الطائفية حاليا سباقا مع الزمن لخلق واقع ديمغرافي واجتماعي جديد على أساس سلالي طائفي، من خلال التعيينات السلالية في مفاصل الدولة وتوزيع الأراضي في محيط العاصمة لعناصر هذه المليشيات المتحدرون من نفس السلالة، على غرار ما قامت به المليشيات الطائفية في العاصمة العراقية بغداد، بعد سقوط صدام حسين.
ويحذر باحثون سياسيون واعلاميون يمنيون من أن مليشيات الحوثيين وحلفائها تستفيد من عامل الوقت الذي منحته إياها مشاورات الكويت برعاية الأمم المتحدة وتناقضات الفاعلين الدوليين إزاء الحالة اليمنية الراهنة لتسريع وتيرة ملشنة الدولة اليمنية وتدجينها طائفيا.
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي اليمني الدكتور عبدالباقي شمسان أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، إنه بخصوص ما اتبعه الحوثيون من توزيع أراضي لأتباعهم وشخصياتهم القيادية يأتي في إطار السيطرة على مفاصل صناعة القرار والدولة، محذرا في سياق مقابلة صحافية لموقع “الإسلام اليوم”، ستنشر لاحقا، من مخاطر هذه الاجراءات على الهوية الوطنية ومستقبل السلم في اليمن والمنطقة.
من جانبه، يؤكد الباحث السياسي والصحافي اليمني همدان العليي في تصريح خاص لموقع “الاسلام اليوم”، بأن “ما يقوم به الحوثيون من عملية توزيع الأراضي المحيطة بالعاصمة التاريخية صنعاء وصناعة حزام طائفي في هذا الحزام الجغرافي هو بمثابة جزء من منظومة إجراءات وخطوات يقدم عليها الحوثيون بشكل متسارع حاليا بهدف تحويل هذه المدينة التي كانت قائمة على التعايش وعرفت إلى حد ما بتنوعها الثقافي والمذهبي والسياسي لتكون حكرا على لون طائفي واحد”.
وتابع العليي الذي يركز جهوده في الآونة الأخيرة على فضح الإجراءات السلالية العنصرية التي تقوم بها مليشيات الحوثيين، بأن “هناك خطوات أخرى في هذا السياق، في مقدمتها التعيينات السلالية حيث أصدرت المليشيات الانقلابية مئات القرارات التي تقضي بتعيين عناصرها العقائديين المعروفين بولائهم الشديد لفكرة الامامة ومزعوم الاصطفاء السلالي في مختلف المناصب الحكومية الحساسة والمؤثرة واستبعاد كافة الأشخاص الذين لا تنطبق عليهم هذه المواصفات حتى لو كانوا من حلفائهم من أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام المتورطين في الانقلاب على الحكومة الشرعية”.
وأضاف العليي بأن “مليشيات الحوثيين السلالية تعمل جاهدة الآن لتجريف الهوية اليمنية بوتيرة عالية من خلال تغيير المناهج التعليمية؛ حيث أقرت تعليم اللغة الفارسية في جامعة صنعاء، وإقرار قصص تعليمية للاطفال تحكي البطولات المزعومة للمؤسس للمليشيات حسين بدر الدين الحوثي، بالاضافة الى منع الناس من ممارسة الشعائر الدينية ومحاصرتهم والتضييق عليهم في هذا الجانب”.
وأشار العليي إلى أن كل هذه الإجراءات تسير الآن بوتيرة متسارعة، محذرا من أن “نجاحها في العبث بديمغرافية العاصمة التاريخية صنعاء ومحاولة تجريف الهوية اليمنية بما تمثله من كتلة بشرية ضخمة سيكون له تبعات خطيرة ليس على مستوى الداخل اليمني بما في ذلك الجنوب الذي يظن البعض أنه سيكون بمنأى عن الكارثة، ولكن أيضا على الأمن القومي لدول شبه الجزيرة العربية برمتها”.
وأكد بأن “ما يحدث في العاصمة صنعاء اليوم يشبه إلى حد كبير ما حدث في العراق في أعقاب سقوط نظام صدام حسين حين سلمت بغداد الى إيران، واستهداف اعداد هائلة من المسلمين السنة بالاغتيالات والتهجير التضييق والإقصاء من الوظائف، كل ذلك في إطار خلق واقع عراقي جديد موالي لإيران”.
التهجير سياسة ممنهجة
وخلال حروب التمرد ضد الدولة عمدت المليشيات الحوثية إلى اتباع سياسة تغيير ديمغرافي في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، قبل أن تقدم أخيرا على التهام الدولة اليمنية بالتحالف مع الرئيس المخلوع علي صالح، حيث أقدمت مليشيات الحوثيين التي تطلق على نفسها اسم “أنصار الله”، على مضايقة وتهجير كل القوى والمكونات الوطنية والدينية والقبلية التي لا تدين لها بالولاء والطاعة.
ومنذ سيطرتها التامة على صعدة عام 2010، ترغم مليشيات الحوثيين مواطني المحافظة الذين ساندوا الدولة في حروبها ضد التمرد الحوثي على توقيع تعهدات مكتوبة بالخروج من صعدة نهائيا والتنازل عن ممتلكاتهم هناك مقابل إبقائهم على قيد الحياة والسماح لهم بالنزوح.
وفي عام 2007 أقدم المتمردون الحوثيون على تهجير يهود آل سالم في صعدة، كما قاموا مطلع 2014 بتهجير السلفيين من دماج بمحافظة صعدة بتواطؤ الرئيس المعترف بسرعيته هادي بعد حرب وحصار دام سنتين، أسفرت عن سقوط عشرات المدنيين، بينهم أطفال ونساء.
وقد اعتبر مراقبون للشأن السياسي حينها بأن تهجير سلفيي دماج يمثل سابقة خطيرة قد تكون نواة لانقسامات وإفرازات طائفية ستشهدها اليمن خلال السنوات القليلة القادمة، خاصة مع تواتر أحاديث سياسية وصحفية أن أميركا طلبت تفكيك سلفيي دماج لخطورتهم على الغرب، كما رأوا بأن قرار التهجير ليس نتاج حرب حاصلة بل رغبة أميركية إيرانية سابقة بتهيئة الشمال في اليمن ليكون جغرافيا ذات صبغة دينية واحدة، لا تقبل التعايش أو الاختلاف، وهو الأمر الذي يتجسد في الواقع يوما بعد يوم.