عيد فطر آخر يستقبله اليمنيون على وقع معارك في جبهات مختلفة لتحرير البلاد من قبضة مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، ووضع معيشي واقتصادي صعب وصل حد عدم القدرة على دفع رواتب الموظفين في بعض الجهات الحكومية؛ وهو ما انعكس على عادات العيد وتقاليده ومظاهره الاجتماعية.
قلة من المظاهر تشير إلى العيد في اليمن لا تتجاوز شراء الملابس للأطفال؛ فالظروف القاهرة التي تمر بها البلاد تحقق المقولة الرائجة في الإرث اليمني، والتي تقول إن العيد عيد العافية وليس بالمظاهر والعادات المعروفة.
– أسر مشردة
ذلك وضع الأسر المجتمعة أما الأسر التي تسببت مليشيا الحوثي وصالح في تفريق جمعها فالعيد بالنسبة لها ليس أكثر من ذكرى؛ فعديد الناشطين والصحفيين هجروا قسراً بفعل مطاردتهم؛ فمنهم من ترك البلاد ومنهم من يعيش حياته في محافظات محررة في ظل ظروف نفسية ومعيشية صعبة.
المخرج التلفزيوني والإذاعي عبد الله القطيبي أحد الذين غادروا صنعاء بسبب مطاردة المليشيا له، يقول لـ”الخليج أونلاين” إنه لم يكن يتصور أن الوضع سيصل إلى هذه المرحلة من السوء، فمقدار الحقد الذي أظهره الحوثيون والقسوة في تعاملهم مع كل من خالفهم أصابه بالذهول.
وأضاف: “جماعة أو طائفة في القرن الواحد والعشرين قرن التطور العلمي والحضاري تتعامل مع منافسيها بهذه القسوة والإقصاء أمر كارثي”.
– ألم وحسرة
وتساءل القطيبي: “عن أي عيد تتكلمون ونحن في ظل هذا الوضع المؤلم مرغمون على العيش بعيداً عن أهالينا وأسرنا بحسرة وألم؟! لم تعد هناك إمكانية للحياة أو العيش بكرامة، نحن فقدنا أعمالنا وكرامتنا فقط لأننا خالفناهم بأفكارنا وقناعاتنا”.
ليس البعد عن الأهل هو ما يبعث الألم والحسرة ويعصر قلب القطيبي فقط، بل يوضح أن وجود جماعة تعيش بهذه العقلية الإقصائية الرافضة لكل حوار أو نقاش أو تعايش مع الآخر معاناة أخرى.
– وضع اقتصادي صعب
الصحفي اليمني عبد الله محمد يلفت إلى أن عيد الفطر هذا العام أتى على اليمنيين في ظل ظروف معيشية استثنائية، حيث يتزامن قدومه مع معايشة الناس لكثير من منغصات الحياة بدءاً بارتفاع الأسعار المتواصل، والذي يتزامن أيضاً مع عدم تمكن بعض العاملين في القطاع الحكومي من استلام مستحقاتهم الشهرية حتى الآن؛ بحجة انعدام السيولة النقدية، وغياب المشتقات النفطية والكهرباء.
وفي حديثه لـ”الخليج أونلاين” يرى عبد الله أن عيداً بهذا الشكل لا يحمل فرحة وسروراً لكثير من اليمنيين، وإنما يعتبرونه مجرد يوم من الأيام تتخلله فرحة عابرة ومصطنعة.
وأضاف: “مقولة (العيد عيد العافية) أصبحت تجري على ألسنة كثير ممّن لا يستطيعون شراء حاجيات العيد من حلويات وملابس، فضلاً عن قضاء الوقت الممتع في الرحلات الداخلية”.
ورغم أن السياحة الداخلية في اليمن لم تسجل أرقاماً كبيرة خصوصاً في ظل عدم الاستقرار الأمني في العقد الأخير، إلا أن الحرب الراهنة شلت بشكل كبير التنقلات بين المحافظات إلا للضرورة القصوى، كما أن غياب الكهرباء في المدن الساحلية عامل إضافي لعدم قضاء إجازة العيد هناك بالنسبة للأسر الميسورة.
– تهرب اجتماعي
ويشير عبد الله إلى أن سوء الأوضاع المعيشية عند اليمنيين انعكس بشكل واضح على العلاقات الاجتماعية؛ من خلال تهرب بعض الناس من زيارة بعض الأقارب والأرحام؛ نظراً لعدم توفر المال الذي يقدمونه هدايا عند الزيارة أو ما يعرف بـ”العسب وهو دفع الرجال للنساء والأطفال مبالغ مالية”، ويكتفون بدلاً من ذلك بالاتصالات الهاتفية والرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والاعتذار عن الزيارات المباشرة.
لكن ما يجعل اليمنيين يصبرون على هذه المعاناة هو الانتصارات التي تحققها قوات المقاومة الشعبية والجيش الوطني المسنود من التحالف العربي المؤيد للشرعية، والتي سجلت النصر الأول في عيد الفطر الماضي بتحرير محافظة عدن من مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية.
– العيد الحقيقي
ورغم أن الطموح لدى الشارع اليمني أن يأتي عيد الفطر هذا العام والشرعية في صنعاء، خصوصاً بعد تحرير نحو 80% من أراضي اليمن، إلا أن الضغوطات الدولية التي أسهمت في تأجيل معركة صنعاء قد تتلاشى مع فشل مفاوضات الكويت، وتحضير الجيش الوطني لضربة حاسمة لكسر الانقلاب الذي قامت به مليشيا الحوثي المدعومة من إيران بالتحالف مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
ويبقى العيد الحقيقي بالنسبة لليمنيين، من خلال منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، هو دخول قوات الشرعية صنعاء وهي على بعد أقل من 50كم منها، وكسر الانقلاب ومحاكمة قادته الذين ارتكبوا الجرائم والانتهاكات المختلفة بحق اليمنيين وسلبوهم فرحة عيد الفطر، وتسببوا بدمار البنية التحتية للبلاد.