في خطاب متلفز للجنرال عبدالفتاح السيسي الذي صار رئيساً لمصر في 2014، حذر المصريين من أنهم يعيشون الآن في دولة منهكة ومحاطة بالأعداء الذين لن يتركوها وشأنها أبداً.
وفي الخطاب الذي بُث في مايو/أيار 2015، طالب السيسي المصريين بأن ينظروا جيداً إلى بلدهم، قائلاً: “إحنا مش في دولة حقيقية، دي شبه دولة”، على حد وصفه.
كما أضاف خلال كلمته أن مصر في حاجة إلى قوانين ونظام ومؤسسات قوية إن أرادت أن تسير عكس الانحدار الذي تشهده لتصير “دولة تحترم نفسها والعالم يحترمها”، على حد تعبيره.
وعلى الرغم من فجاجة هذا الرأي وصراحته الشديدة النادرة، فقد انتشرت كلماته بين أوساط المصريين، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الثلاثاء 2 أغسطس/آب 2016.
فبعد مرور 5 سنوات من الاضطراب السياسي والاقتصادي، يبدو أن الصورة التي تخيم على البلاد قاتمة، بحسب التقرير.
فمصر الزعيمة التقليدية للعالم العربي، سياسياً واقتصادياً، والتي تحتوي على ربع التعداد السكاني للعالم العربي، صارت لا تهتم سوى بشؤونها الداخلية، فضلاً عن التهميش السياسي الذي تشهده خارجياً، وهو الأمر الذي لم يشهده أجيال من المصريين.
عبدالناصر والسادات
قال نبيل فهمي، سفير مصر السابق لدى الولايات المتحدة: “في الماضي، كان عبدالناصر هو من يقرر الحرب أو السلام. والسادات كان يقرر السلام أم الحرب”، وذلك في إشارة إلى تأثير الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر، رمز العروبة، وأيضاً محمد أنور السادات الذي توصل إلى السلام مع إسرائيل. وأضاف: “كان العرب يهرولون وراءنا عندما كنا نقرر أن نفعل شيئاً”.
لكنه أوضح أن الأمر لم يعد كذلك، بحسب وصف فهمي، الذي شغل منصب وزير الخارجية في 2013 بعد انقلاب الجيش على الرئيس الأسبق محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً، إذ قال: “إن مصر متأثرة بشدة جراء الوضع الداخلي”.
ومع حدة الأزمات الإقليمية في العراق وسوريا واليمن، وكذلك الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، لا تمتلك مصر دوراً هاماً في تلك اللعبة.
وفي غضون ذلك دُفعت كل من السعودية وإيران، وهما متنافستان إقليميتان شرستان تنظر كل منهما للأخرى بنظرة طائفية، نحو ملء ذلك الفراغ ما تسبب في إقحامهما بمواجهة محتملة تحمل قدراً من الخطورة، من أجل الفوز بالهيمنة الإقليمية.
أما بالنسبة لمصر فإن الأمر يحمل تقلبات حادة لا يتوقع أن تستعيد لها مكانتها السابقة.
تراجع الاهتمام الأميركي
فمنذ توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، تحولت مصر لنقطة ارتكاز الهيمنة الأميركية على المنطقة العربية، حسب التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الثلاثاء 2 أغسطس/آب 2016.
وقد تعاون الجيشان المصري والأميركي عن كثب على مدى عقود مضت، كما شاركت مصر في الحرب ضد صدام حسين جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية عام 1991. فضلاً عن أن القاهرة طالما لعبت دور الوسيط بين الإسرائيليين والفلسطينيين (وكذلك بين الفصائل الفلسطينية)، بيد أن ذلك الدور بدأ في الأفول في غضون دعمها لإسرائيل ضد حماس عام 2014.
لكن انسحاب مصر من الشؤون الإقليمية تسبب في تضاؤل حجمها في نظر الولايات المتحدة التي أمدتها بـ76 مليار دولار من المساعدات الأميركية منذ عام 1948.
مشكلة
يقول إسكندر العمراني، مدير مشروع شمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية: “إن واشنطن تنظر إلى مصر بصورة أساسية على أنها مشكلة وليست مصدراً للحلول. ولولا العلاقات العسكرية وتفضيل البنتاغون أن تتم الأمور بطريقة أسرع من خلال مرور سفنه من قناة السويس، لاختلف الأمر. فمن الواضح أن بعض العناصر داخل إدارة أوباما لا يهتمون بالسيسي ونظامه ونموذجه المحلي من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان”.
منارة الوحدة العربية
وقد حظت مصر دائماً بتأثيرها من خلال جيشها وقوتها الثقافية، فكانت دائماً تمثل منارة للوحدة العربية بعد أن انحسر مد الكولونيالية الأوروبية في القرن العشرين، إذ ساعدت جاراتها من الدول كي تبني نفسها وأنشأت الجامعة العربية، التي مثلت ريادة في جهود التعاون الإقليمي آنذاك، بيد أن لا تأثير لها في الوقت الحالي.
كما مثّل كتابها وفنانوها ومخرجوها أيقونات ثقافية للمنطقة كلها، فضلاً عن قضاتها ومشايخها الذين شاركوا في كثير من القضايا الهامة المتعلقة بالشريعة الإسلامية.
وقال عمرو موسى، وزير الخارجية الأسبق الأمين العام للجامعة العربية سابقاً، الذي خاض السباق الرئاسي عام 2012، إنه يشك في أن تشارك مصر في أي مغامرة أجنبية في ظل المشكلات التي تواجهها في الوقت الحالي.
وأضاف أن ذلك لا بد أن يتغير “لأن الدور المصري إجباري”، على حد تعبيره. كما أوضح “إنه ضروري لإيجاد توازن بين إيران وتركيا”. لكنه قال إن الطريقة الوحيدة لذلك تكون من خلال قيام مصر “بإصلاح نفسها وإعادة بناء قوتها الناعمة”.
بيد أنه ينبغي على مصر أن تواجه قائمة من المشكلات قبل أن تعيد بناء نفسها، إذ إنها تخوض حرباً ضد ما يسمى “ولاية سيناء”، وهو فرع تنظيم داعش في شبه جزيرة سيناء. كما أن الاقتصاد يواجه الأزمة تلو الأخرى، والذي تعثر بسبب انهيار السياحة.
وقد تدنى عدد السياح القادمين لزيارة مصر بنسبة 59،9% عن يونيو/حزيران الماضي، وذلك وفقاً للإحصاءات الرسمية. وتقول هيئة السياحة إن أكثر من نصف الفنادق التي كانت موجودة بشرم الشيخ، وهي المدينة التي كان يفضلها كثير من شركات السياحة ومحبي السلام أيضاً، أغلقت أبوابها بسبب الوضع الحالي للسياحة.
المساعدات الخليجية
ويعود الفضل وراء استمرار مصر في الوقوف على قدميها في ظل الأزمات الحالية، إلى المساعدات المالية القادمة من دول الخليج، وعلى رأسها السعودية التي أعطت مصر 25 مليار دولار خلال تلك الفترة، والتي تواجه بدورها تهديدات بسبب تأرجح أسعار النفط العالمية. كما توترت علاقتها التحالفية مع الولايات المتحدة بسبب الخلافات فيما بينهما جراء حوادث انتهاكات حقوق الإنسان خلال حكم السيسي، وكذلك عزل مرسي.
وقال نبيل فهمي إنه يضع في الاعتبار تهدئة المخاوف الغربية بعد عزل مرسي، واصفاً الأمر بأنه “دفاع عن الثورة”، ولكي تمثل أحد نجاحات السياسة الخارجية للبلاد. وفضلاً عن ذلك، تتمتع مصر بعلاقات قوية مع إسرائيل، لكنها لم تفعل كثيراً من الأمور في مواجهة قائمة الأزمات الإقليمية.
وقال العمراني: “على مستوى القيادة، لا تمتلك مصر المساحة أو الرفاهية التي تسمح لها بالتركيز في الشؤون الإقليمية”. فكبار المسؤولين يصبون كل تركيزهم على المخاطر الوشيكة، مثل غياب القانون في جارتهم الغربية ليبيا، وأيضاً بناء سد النهضة في إثيوبيا.
وباستعادة الأحداث يضيف العمراني قائلاً إن مصر قد تكون لعبت دوراً ضخماً خلال السنوات الماضية، فقد تسببت علاقتها القريبة من الولايات المتحدة “في أن تعزز من دورها بدرجة أكبر من وزنها الحقيقي”.
وعلى الرغم من انخفاض سقف توقعات واشنطن حول دور مصر في الأزمات الإقليمية، فإنها تعتقد أن بإمكان مصر التأثير على وضع ليبيا المجاورة، إذ إن إدارة السيسي ترغب في ظهور دولة مستقرة وغير إسلامية بالمشهد السياسي الفوضوي والمنقسم.
كما تُقدّر واشنطن فرصة عبور السفن والطائرات الأميركية عبر قناة السويس أو عبر المجال الجوي المصري.
وقال موسى إنه يعتقد أن المستقبل المصري قد يكمن في علاقة وثيقة مع المملكة العربية السعودية والتي أصبحت، على الرغم من ضغوط الميزانية، الداعم المالي الأكبر لمصر بعدما قررت أنه “يجب الحفاظ على مصر”، حسب ما قال.
واستطرد موسى قائلاً إنه على الرغم من وجود فراغ قيادي في المنطقة فقد تتمكن مصر والسعودية من منع دول غير عربية، مثل إيران أو تركيا أو إسرائيل، من التحكم بزمام الأمور، مضيفاً: “لا أصدق أنه بعد انسحاب مصر – رغم أني أرفض استخدام ذلك التعبير ولكن الدور المصري لم يُوَّرَث – لم تخرج أي دولة لتقول: يمكنني قيادة المنطقة”.
(هافينغتون بوست عربي)