المخرج الممكن والآمن لليمن

مدير التحرير18 سبتمبر 2016
المخرج الممكن والآمن لليمن

واقع الحال والتداعيات التراجيدية في الساحة اليمنية، إضافة إلى كامل المتغيرات التي أفرزت الحقيقة الموضوعية الراهنة والماثلة.. كل هذه الحقائق هي التي تبرر، بل وتمهد للحل السياسي الممكن والواقعي، ومن دون ذلك الحل ستستمر التراجيديا الإنسانية، وسيبقى اليمن مرتهناً لأمراء حربه، ولصوص أمواله، ومدمري بنيته.
الحل العاقل في ظل الظروف الراهنة يتمثل في استعادة مقدمات وحدة مايو اليمنية الفاشلة. ففي مايو/ أيار من عام 1990 اندفع نظاما صنعاء وعدن نحو وحدة اندماجية إرادوية، ودونما تشاور مع الذاكرة السياسية الأكثر نضجاً ووعياً، وبتجاوز إجرائي لجملة المرئيات التي كانت ترى في الصيغتين الفيدرالية والكونفدرالية الطريق الأسلم لتحقيق حلم الوحدة خارج نطاق نظامي عدن وصنعاء الشموليين.
كانت الرومانسية السياسية رافعة أساسية في قبول عدن بالوحدة الاندماجية، فيما كانت البراغماتية الميكيافيللية رافعة نظام صنعاء في الذهاب إلى الوحدة، فقد حرص نظام الجمهورية العربية اليمنية في شمال اليمن على اعتبار (الوحدة المقدسة) منطلقاً لتصفية حساباته مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في جنوب اليمن، وقد ظهرت تلك الحقيقة منذ بدايات تشكيل ما سميت آنذاك بوزارات الوحدة، حيث حرص أرباب السياسة في صنعاء على تفريغ الوحدة اليمنية من مضامينها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وصولاً إلى مباشرة الاغتيالات ونشر المفاسد المالية، وتعميم نموذج الدولة التي أرادها صالح ومن معه، منذ تخلصهم المجرم من الشهيد رفيع المقام الرئيس إبراهيم الحمدي.
حين تمت وحدة مايو المدمرة لجوهر الوحدة، كان اليمن بدولتيه السابقتين على الوحدة موزعاً إلى محافظات تخضع للسلطة المركزية في عدن وصنعاء، وكانت الفوارق بين نموذجي صنعاء وعدن واضحة المعالم، بل وجوهرية في الأفق المتصل بمصالح الجماهير العريضة، ومعنى سيادة النظام والقانون، والنواميس الدولتية. عدن كانت النموذج الأفضل بكل المعايير سالفة الذكر، فيما كانت صنعاء تبحر نحو المستنقع الآسن للنهب والسلب والفوضى، حتى كادت جمهورية سبتمبر التي طالما كانت حلماً فاضلاً لليمانيين، تتحول إلى معادلة أسرية عشائرية ضيقة الأفق يتربع على رأس هرمها الرئيس علي عبدالله صالح.
ذهب الجميع آنذاك إلى الوحدة يحدوهم الأمل في الانعتاق من سيئات الماضي، غير أن الماضي الكئيب وقف لهم بالمرصاد، وأسفر الحلم الجميل عن متوالية جهنمية للاغتيالات والفوضى القانونية، وصولاً إلى الحرب التي شنها نظام صنعاء ضد الجنوب ومقدراته في عام 1994 تحت شعار ضم الفرع للأصل، وتعميد الوحدة بالدم. ولقد تكشفت الحقيقة الأكثر دوياً في بؤسها بمجرد سقوط عدن، فقد باشر تجار الحرب المدججين بنياشين الدولة وألقابها نهباً منظماً للجنوب.. إلحاقاً بما فعلوه أصلاً وقبلاً في الشمال، وتسارعت نتائج الظلم والقهر والمصادرة في الإعلان عن نفسها، وصولاً إلى انتفاضة الجنوبيين في حراكهم السلمي المنظم ضد نظام الأوليغارشية العسكرية المالية في صنعاء، وحتى الانتفاضة الشبابية السلمية الشاملة التي أسقطت نظام صالح بالضربة القاضية في عام 2011.
جاءت المبادرة الخليجية يومها كمخرج توافقي وطني وإقليمي، وبدلاً من السير قدماً في تطبيق مرئيات المبادرة، أعاد النظام إنتاج نفسه في مستويي التوافق الملغوم بسيئات الماضي، والرفض الملغوم بسيناريوهات الانقلاب على المبادرة الخليجية ومرئياتها التطبيقية على الأرض، وكانت النتيجة الماثلة إلى يومنا هذا.. ثنائية إجرائية تتصارع وفق قواعد اللعبة القديمة، وشاهدها الأكبر استمرار الانقلاب من طرف صالح والحوثي، بمقابل التنازلات الحرة التي تقدمها الشرعية اليمنية لصالح الانقلاب على حين غفلة من الذاكرة، ودليلنا القاطع المانع على ذلك منهج الإدارة السياسية العقيمة للمناطق المنعتقة من ربقة الانقلاب (الحوثصالحي)، مما لسنا بصدد تفصيله هنا.
الآن وبعد أن تبينت هذه الحقائق الدامغة، وبالترافق مع الحل السياسي الجوهري الذي خرج من تضاعيف مؤتمر الحوار الوطني، فإن الحل الممكن يمكن استعارته من الحكمة الصينية التي استوعبت المعنى الكبير لتنوع الصين في واحديته.. لكننا هنا لسنا بصدد استعادة النموذج الصيني الذي يختلف في مقدماته وآلياته، بل بتقديم نموذج يمني يتلخص في كيانين اتحاديين فيدراليين في شمال اليمن وجنوبه السابقين على الوحدة، وعلى أن يلتحقا معاً بكيان اتحادي كونفدرالي يتم التوافق على مرئياته التفصيلية.
هذه الصيغة لا تعانق الممكن السياسي الواقعي فحسب، بل تحل جذرياً مشكلة المركزية السياسية والإدارية والتنموية في إقليمي الشمال والجنوب، كما تعيد للوحدة وهج القبول الطوعي المقرون بإرادة الشعب.
مرة أخرى يتلخص المقترح في كيانين اتحاديين في الشمال والجنوب.. يجمعها متحد جمعي كونفدرالي يتم التوافق على مرئياته العابرة لنطاقي جمهوريتي الشمال والجنوب السابقتين على وحدة مايو. – See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/b0b7649b-e75d-4d75-957e-e51b65398b63#sthash.IJvZOtQO.dpuf

No more posts

No more posts

Breaking News
نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
Accept