تخريف سياسي

- ‎فيأخبار اليمن, كتابات

ما أن بدأ تسارع أحداث الحرب في اليمن بعد أعوام من انطلاقتها في سورية حتى دار جدل كبير حول شرعية الدعم الذي يلقاه نظاما البلدين للحفاظ على السلطة والسيطرة على مقاليد الحكم بعد خروج ثورات شعبية وانقلابات داخلية على اختلاف أهدافها وداعميها.

 

هناك تشابه كبير بين الحالتين السورية واليمنية في الظاهر إلا أن هناك اختلافاً جوهرياً يجعل من المقارنة أمراً غير منطقي رغم محاولات البعض شرعنة التدخل الإيراني في سورية على اعتبار أن العملية العسكرية التي يشنها التحالف العربي بقيادة المملكة لدعم الشرعية في اليمن أمر مماثل لا يحق معه لأصدقاء الشعب السوري الاعتراض على الدور الذي تلعبه طهران لإنقاذ نظام بشار الأسد، على قولة المثل الدارج “إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بالحجارة”.

 

وللرد على مثل هذا النوع من “التخريف السياسي” لا بد من التذكير بالبدايات الأولى لاندلاع الأزمة في “جمهوريتين” عربيتين تحولتا في عهد حافظ الأسد، والمخلوع صالح إلى ديكتاتوريات بديمقراطية مزيفة جعلت من صناديق الاقتراع وسيلة لترسيخ حكم الفرد الواحد.

 

في بدايات العام 2011 وفي خضم ثورات الربيع العربي خرج السوريون للمطالبة بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية في هذا البلد الذي تحكمه عائلة الأسد بالحديد والنار منذ نحو أربعين عاماً، لكن النظام البعثي واجه تلك المظاهرات بالرصاص الحي لتتحول الثورة من “الله، حرية، سورية وبس” إلى “الشعب يريد إسقاط النظام” ومن السلمية إلى حمل السلاح دفاعاً عن مئات المدنيين الذين قتلتهم قوات النظام وشبيحته في الشوارع وفي غياهب السجون خلال الأشهر الأولى من عمر الثورة.

 

في اليمن وفي ذات العام انتفض اليمنيون ضد ثلاثة وثلاثين عاماً من حكم علي عبدالله صالح الذي كان يعد ابنه أحمد لخلافته في الرئاسة في سيناريو مشابه لما جرى في سورية بين الأسد الأب والابن، وحين عجز صالح عن مواجهة معارضيه الذين نالوا دعماً واسع النطاق داخل المؤسسة العسكرية خصوصاً بعد محاولة اغتياله تخلى عن الرئاسة مكرهاً بعد تدخل جيرانه الخليجيين الذين كان همهم الرئيسي الأول حقن دماء اليمنيين.

 

إلا أن المخلوع ما لبث أن عاد إلى الواجهة في تحالف مشبوه مع الحوثيين الذين شنوا حملة تطهير ضد خصومهم من أقصى الشمال وصولاً إلى عدن في الجنوب بدعم مباشر ومكشوف من طهران في انقلاب على الشرعية التي يمثلها الرئيس التوافقي المنتخب عبدربه منصور هادي الذي لم يجد أمامه سوى اللجوء إلى عمق اليمن الخليجي لإنقاذ شعب بأكمله من هذه الحرب التي تحالف فيها أعداء الأمس خدمة للأجندة الإيرانية المكشوفة في المنطقة.

 

هناك فرق كبير بين أن تدعم شعباً لينال حريته ويستعيد حكومته الشرعية، وأن تدعم نظاماً قتل مواطنيه دفاعاً عن شخص واحد، هناك فرق بين أن تحمي المدنيين المحاصرين في تعز وغيرها من المحافظات اليمنية وأن تستهدفهم بالبراميل المتفجرة في حلب وتهجر الملايين من مدنهم وقراهم.

 

لا يمكن المقارنة بين من يدعم جيشاً وطنياً ومقاومة شعبية تحارب لاستعادة الاستقرار في بلادها ومن يدعم آلاف المرتزقة الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب نظام الأسد في حربه ضد شعبه.

 

مواقفنا راسخة وبيوتنا ليست من زجاج حتى نتردد في الدفاع عنها.