وتشكو فطوم (22 عاما) -التي تبدو في حالة وهن شديد- من مرض فقر الدم وأمراض أخرى أرهقت جسدها النحيل، في حين يعاني طفلها الذي لم يتجاوز العامين، حيث يظهر في بطنه انتفاخ غير طبيعي مع ركبتين نحيلتين للغاية، وقد بينت نتيجة الفحص الطبي إصابتهما معا بحالة سوء التغذية الحاد.
وتقول فطوم للجزيرة نت “نحن فقراء لا نملك ما نأكله، كان زوجي يعمل في القطاع الخاص بمحطة للسيارات بالأجر اليومي قبل الحرب، وما يجنيه من مال ضئيل لا يسد به جوع أطفاله، لكنه اليوم أصبح عاطلا عن العمل وغير قادر على إطعام أطفاله”.
مؤشرات مجاعة
وتعيش فطوم -وهي أم لطفلين- مع زوجها في منطقة البساتين التي تعج بأحياء سكنية تغلب على سكانها سمة البؤس والشقاء. وتصف هذه السيدة معاناتها بأنها “فوق الاحتمال”، وقد أصبحت وطفلها زائرين دائمين للمجمعات الصحية لتلقي العلاج.
وليست أسرة فطوم الوحيدة التي تعيش هذا الكابوس، فمثلها آلاف الأسر اليمنية التي لحق بها الفقر والمرض، حيث تقدر تقارير الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في اليمن للعام 2016 عدد السكان العاجزين عن تلبية احتياجاتهم الغذائية بـ14.4 مليون نسمة، بما في ذلك 7.6 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وقد حذر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني من مؤشرات مجاعة حقيقية تجتاح عددا من المديريات الفقيرة في اليمن نتيجة تداعيات المواجهات المسلحة، خاصة بمحافظة الحديدة جنوب غرب اليمن، والتي سجلت فيها خلال اليومين الماضيين ثلاث وفيات بسبب سوء التغذية.
وتعيش قرية البقعة في مديرية التحيتا بمحافظة الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون وضعا إنسانيا بالغ التعقيد بعد تدهور مريع في الوضع الصحي للسكان ودخولها مرحلة المجاعة، حيث بات شبح الموت يحاصر الأطفال.ال
فوق مستوى الطوارئ
ويرى مدير برنامج معالجة سوء التغذية في جمعية الإصلاح الاجتماعي هشام مصلح أن معدلات سوء التغذية الحاد باليمن أصبحت خطيرة، مشيرا إلى أنها المرحلة الأخيرة قبل المجاعة.
مسن أنهكه الجوع في منطقة التحيتا (الجزيرة) |
وأكد في حديث للجزيرة نت أن جميع مسوح الوضع الغذائي في اليمن للعام 2016 تشير إلى أن معدل سوء التغذية الحاد في بعض مديريات محافظتي تعز والحديدة وصل إلى 25% و31%، وهي معدلات أعلى بكثير من مستوى الطوارئ المحدد من منظمة الصحة العالمية بـ15%.
وأضاف أن “المنظمات العاملة في مكافحة سوء التغذية في اليمن تقدر حاليا أن هناك ثلاثة ملايين شخص يحتاجون لمساعدات غذائية عاجلة، منهم 2.1 مليون يعانون من سوء تغذية حاد في الوقت الراهن، وهذا يمثل زيادة بنسبة 65٪ في الأشخاص المحتاجين مقارنة بأواخر عام 2014 بحسب تقرير الأمم المتحدة”.
خطر الموت
بدوره، أكد المتحدث باسم منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة (يونيسيف) في صنعاء محمد الأسعدي أن الوضع الغذائي للأطفال باليمن يزداد سوءا يوما بعد يوم.
وأوضح أن “هناك نحو مليون ونصف من الأطفال تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية، وأكثر من الربع منهم يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو الهزال الشديد الذي يؤدي إلى الوفاة في حال عدم علاجه”.
وقال في حديث للجزيرة نت إن الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم معرضون لخطر الموت أكثر بعشر مرات من أقرانهم الأصحاء في حال عدم علاجهم في الوقت المناسب، بسبب ضعف نظام المناعة لديهم، فضلا عن كون سوء التغذية يهدد البنية البدنية والذهنية للطفل المصاب.
وأضاف أن “سوء التغذية مزمن ولا يعد حالة طارئة على اليمن، لكن هذه الحرب أتت وضاعفت المشكلة وزادت من حدتها وخفضت معدلات الأمن الغذائي في البلد الفقير أصلا والذي يعتمد على الاستيراد”.
وأردف أنه “بحسب تقارير برنامج الغذاء العالمي يعاني أربعة من كل خمسة يمنيين من انعدام الأمن الغذائي، أي يعتمدون على وجبة واحدة في اليوم ولا يؤمنون طعام اليوم التالي”.