في اليمن تستمر مواجهة المملكة للحوثيين وقوات صالح فلا تكاد الطائرات السعودية تتوقف عن استهدافها لهذه الميليشيات كما أن قوات الحوثيين وصالح صعدت المواجهة، فباتت الحدود السعودية في مرمى هذه القوات في الوقت الذي تواصل فيه الميليشيات أيضا إطلاقها للصواريخ الباليستية تجاه المملكة، السعودية التي لم تخض حربا مباشرة بقواتها الجوية والبرية أطول من الحرب القائمة في اليمن التي تقارب العامين ، إذ أن حرب الخليج الثانية لم تتعدى العام الواحد فضلا عن أن المواجهة مع الحوثيين في 2009 لم تدم أكثر مما هي عليه الآن، ثمت تساؤلات حول مصير النظام السياسي في اليمن ومآل الحرب القائمة ، فما ينتظر المواجهة في اليمن بين ميليشيات الحوثيين وصالح وقوات الشرعية والمقاومة ومعها قوات التحالف يبدو أنه أصعب مما جرى تحقيقه منذ بداية عاصفة الحزم ، وتُبقي معركة تحرير صنعاء الموعود بها منذ أشهر واستمرار الحصار على تعز المشهد معقدا في اليمن كما يبدو خيار الحسم العسكري شبه مستحيل.
حالة المواجهة في اليمن تكشف عن صعوبات تواجه المملكة في تحديد الخيارات المنسجمة مع استعادة الشرعية وتأمين الحدود السعودية، هذه الصعوبات من المهم جدا تفهمها واستيعابها حتى تنتهي الأزمة التي قد تثقل كاهل المملكة في الفترة القادمة إذا ما أدركنا مضي المملكة في نهج اقتصادي جديد في زمن المواجهة المباشرة مع إيران يرافق ذلك كله تخوفات من عجز داخلي نتيجة انخفاض أسعار النفط بالإضافة إلى تكلفة الحرب القائمة.
أولى هذه الصعوبات هو أن دولا إقليمية لا تريد لليمن الاستقرار، وهذا بالطبع استراتيجية إيرانية واضحة تكشفت في سوريا والعراق، وينال اليمن اهتماما كبيرا في استراتيجيتها هذه كون المملكة تعد طرفا في هذا الصراع ، تعلم إيران أن ميل الكفة للحوثيين لن تقبله المملكة بأي ثمن كان وكذلك فهي تسعى لإدامة حالة الفوضى في اليمن حتى لا يضعف الطرف الموالي لها وهو الحوثيين بعد أن أوجد نقطة قلق جديدة في المنطقة ستمكن إيران من التأثير في مصير استقرار اليمن وهو ما ينعكس حتما على استقرار المملكة .
القضية الأخرى والتي بحاجة إلى استيعاب أكبر هو إلى أي مدى يمكن التقليل من قوة الحوثيين ؟، في واقع الأمر إن فكرة القضاء على حركة الحوثي مستحيلة بصرف النظر عن الامتداد الفكري للحركة وكم يجتمع حولها من اليمنيين ، فمحاولة إفناء هذا المكون ستؤول بالفشل لاعتبارات أهمها أن الواقع كشف لنا وخلال ما يقارب العامين أن نطاق سيطرة هذه الميليشيات لم ينحصر بشكل كبير وبالتالي فمن يفكر في استمرار المعركة حتى إبعادهم عن الساحة كليا سيدمر اليمن ولن تعبأ هذه الميليشيات أبدا بأي قيمة أخلاقية في سبيل بقائها، الاعتبار الثاني هو أن أمريكا ترى في استمرار حالة الصراع السني الشيعي وضعا مناسبا لإفساد حالة الربيع العربي الثورية في بعض الدول وهذا ما يفسر تغاضي أمريكا عما تقوم به العناصر الطائفية والميليشيات في العراق وسوريا وبالتأكيد في اليمن ، كما توفر حالة الفوضى الدائرة في المنطقة والقائمة على تمدد الميليشيات وضعا ملائما أمام الدول المستفيدة من خيار التفتيت وتقسيم دول كبيرة كالعراق وسوريا والحصيلة أن ما سيصدر من مبادرة أمريكية أو أممية في الوقت الراهن للحل في اليمن لن يفضي إلى وقف تمرد هذه الميليشيات بل ستكون في إطار تبديد الوقت وانتظار القيادة الأمريكية القادمة وما تفسر عنه سياسة ترامب وفريقه.
إن حل الأزمة في اليمن يأتي عبر تسوية سياسية تحفظ مقدرات اليمن ودماء أهله وتعود بالدولة اليمنية إلى خارطة الانتظام المؤسسي الديمقراطي وهو الحل الذي تردده جميع الأطراف، لكن يتبقى وجود اختلاف في كيفية تحقيق هذا الحل وهل بإمكان هذه الأطراف تقديم تنازلات حقيقية من أجل اليمن ؟.
في اعتقادي أن حل التسوية السياسية لن تقدم له الميليشيات أي اعتبار جاد ورغبة في التوصل إليه ،طالما ظلت هذه الميليشيات تحتل رقعة كبيرة من اليمن ، لذا فالحل السياسي المناسب للوضع في اليمن والذي تبذل له المملكة جهودها يجب أن يكون قريبا في توقيته نظرا لأن إطالة مدة الحرب سينطوي عليه أعباء مالية ، بالإضافة إلى أن تحقيق تقدم كبير للجيش الوطني والمقاومة وتضييق الخناق على الحوثيين وصالح ميدانيا وتحريك البوصلة نحو صنعاء لتحريرها ومعها تعز من شأنه أن يرغم هذا الطرف للقبول بالحل السياسي في الوقت الذي تريده السعودية وعبر تسوية عادلة بالنسبة لطرف الشرعية ومعه التحالف ، وهذا لن يتم إلا بتقديم دعم كامل للجيش الوطني ومعه المقاومة الشعبية لوجستيا وعسكريا يسبق ذلك طرح الثقة في هذه القوات ونزع كل الشكوك المحيطة بعلاقة المملكة والتحالف العربي مع قوات المقاومة الشعبية ، وفي وضع غير هذا لا يمكن التنبؤ سوى أن هذه الميليشيات ومن ورائها أطراف دولية ستعيق مسار الحل السياسي والمخرج الوحيد لليمن .