تطورات يمنية متسارعة: حراك سياسي وتساؤلات حول “المناطق الآمنة”

- ‎فيأخبار اليمن
تبدو الساحة اليمنية مقبلة على تطورات جديدة سياسية وعسكرية، خصوصاً بعد إعلان البيت الأبيض عن اتفاق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والعاهل السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، في اتصال بينهما ليل الأحد، على دعم إنشاء “مناطق آمنة” في اليمن.
جاء ذلك في وقت تستمر فيه المشاورات والتحركات السياسية حول اليمن، وأبرزها كانت، أمس الإثنين، زيارة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى العاصمة القطرية الدوحة، حيث عقد مباحثات مع أمير البلاد، تميم بن حمد آل ثاني. وأكد تميم مواصلة دولة قطر جهودها وسعيها لحل الأزمة اليمنية، ودعمها ومساندتها للحكومة الشرعية، وحرصها على وحدة اليمن واستقراره، كما أفادت وكالة الأنباء القطرية الرسمية. 
 
وأشارت الوكالة إلى أنه جرى، خلال اللقاء، استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تنميتها وتعزيزها، إضافة إلى عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وأطلع هادي أمير قطر على آخر مستجدات الأوضاع على الساحة اليمنية والجهود الدولية الداعمة للشرعية في اليمن، معرباً عن شكره وتقديره للأمير ولدولة قطر على ما تقدمه من دعم تنموي وإنساني للمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن.
 
في غضون ذلك، دخل مصطلح أميركي جديد على الساحة اليمنية، وهو “المناطق الآمنة”، في وقت تعددت فيه التفسيرات للإعلان المثير حول دعم ترامب إقامة هذه المناطق، فيما اليمن لا يشهد نزوحاً كبيراً إلى خارج البلاد، بقدر ما هناك بالفعل مناطق شبه آمنة في الوقت الحالي.
ورفع من أهمية الإعلان الأميركي حول المناطق الآمنة، أنه جاء بعد أقل من 24 ساعة على تدشين ترامب حروبه الخارجية ضد تنظيم “القاعدة”، من اليمن، حيث نفذ الجيش الأميركي عملية عسكرية شملت غارات جوية وإنزالاً مظلياً لجنود، لتكون أكبر عملية أميركية في اليمن، في ظل العمليات المحدودة التي تنفذها الطائرات الأميركية من دون طيار، في الغالب، ضد مشتبهين بالانتماء لـ”القاعدة” في اليمن.
 
وكان من اللافت أيضاً، أن اتصالات ترامب شملت إلى جانب الملك السعودي، ولي عهد أبوظبي في الإمارات، محمد بن زايد، والدولتان (السعودية والإمارات)، هما أكثر دولتين تشاركان في عمليات التحالف العسكرية ضد مسلحي جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) وحلفائهم الموالين للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. 
 
واعتبر مصدر سياسي يمني قريب من مكتب الأمم المتحدة في صنعاء، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن قيام ترامب باتصالات حول اليمن بعد ساعات من تنفيذ عملية عسكرية أميركية نوعية وسط البلاد، يشير إلى أن اليمن بالفعل، على قائمة الأولويات الخارجية لإدارة ترامب، بعد أن كانت بعض التوقعات تذهب إلى أن إدارته، قد تنشغل في الشهور الأولى بترتيب الوضع الداخلي، قبل الانتقال للحديث عن ملف الحرب في اليمن، فيما تطورات الـ48 ساعة كشفت عكس ذلك.
 
وكان ذكْر ترامب لـ”مناطق آمنة”، أكثر ما أثار تعليقات اليمنيين، باعتبار المصطلح يُذكر تقريباً لأول مرة في اليمن على مستوى الحديث عن “اتفاق دولي” (أميركي- سعودي)، وفي حين يرتبط ذكره عامة بالحديث عن مناطق يتم اختيارها في أجزاء أو جزء من البلاد، تكون آمنة بإشراف دولي للنازحين أو المجموعات التي تريد الابتعاد عن الحرب، وتكون هذه المناطق خارجة عن سيطرة الأطراف المتحاربة أو عملياتها العسكرية، وغير ذلك من المقتضيات التي قد تختلف طبيعتها وفقاً لطبيعة الحرب الدائرة في البلاد والأسباب التي استدعت إيجاد هذه المناطق.
 
في اليمن، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود ما يقرب من ثلاثة ملايين نازح منذ تصاعد الحرب في البلاد في مارس/آذار 2015، لكن أغلبية النزوح إلى مناطق داخلية، باعتبار أن الحرب بما هي اشتباكات مباشرة محصورة في عدد من المدن والجبهات، في بلد تبلغ مساحته نحو نصف مليون كيلومتر مربع تتوزع في 22 محافظة، وهناك نزوح إلى المحافظات التي تسيطر عليها الشرعية، وأبرزها مأرب التي أصبحت من أهم المدن الحيوية بسبب النزوح إليها، مثلما أن العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين، استقبلت هي الأخرى نازحين أغلبهم من مناطق المواجهات، ومنهم من المحسوبين على الانقلابيين، وهو ما يجعل المناطق الآمنة في اليمن قابلة للتفسير على وجه آخر، ومن ذلك، أن تكون هذه المناطق عبارة عن مُدن يتم الاتفاق على تجنيبها العمليات العسكرية.
 
كذلك برزت تفسيرات أخرى لطرح ترامب هذا الاقتراح، باعتبار أنه مؤشر على أن الحرب قد تتصاعد في اليمن خلال الفترة المقبلة، بما يتطلب إنشاء مناطق آمنة لنزوح محتمل من مناطق المواجهات، وهذا الأمر رُبط أساساً، بالتصعيد الأميركي للعمليات ضد المشتبهين بالانتماء لتنظيم “القاعدة” و”داعش”. أما التفسير الثالث، هو أن واشنطن تسعى للتدخّل العسكري على نحو واسع أو بما قد ينافس تدخل التحالف العربي، عبر مسمى “مناطق آمنة” تكون واشنطن الفاعل الأول فيها، جنباً إلى جنب مع التصعيد ضد القاعد ة.
 
ويقول المحلل والباحث في شؤون النزاعات المسلحة، علي الذهب، لـ”العربي الجديد”، إن الخطوة الخاصة بالاتفاق على مناطق آمنة “قد تكون عملاً استباقياً لتحرك عسكري مزمع القيام به، ويُخشى من تداعياته وقوع سكان مناطق معينة تحت طائلة التصفيات التي عادة ما يقترفها الطرف المنتصر، وجعل هذه المناطق ملاذاً آمناً للجماعات المستهدفة، وخاضعة للوصاية والهيمنة المشتركة لأطراف الحرب الرئيسة، جواً وبراً”. ويضيف أنه “في هذه الحالة أتصور أن تكون هذه المناطق واقعة داخل حدود الشمال اليمني وفقاً لحدود ما قبل عام 1990″، كما يمكن، وفقاً للذهب، أن تكون الخطوة “مؤشراً على توقف الحرب، والبدء بتسوية سياسية تضع مناطق من الجنوب يحتمل تعرضها لهجمات من قبل قوات الحوثيين وصالح، تحت هذا التوصيف”، بالإضافة إلى احتمالات أخرى، ستتضح في الفترة المقبلة.
تأتي هذه التطورات، في وقت كثّفت فيه مقاتلات التحالف العربي غاراتها الجوية ضد أهداف للانقلابيين في محافظة حجة، إذ أفادت مصادر تابعة للانقلابيين، أمس الإثنين، بأن عدد الغارات وصل إلى 40 غارة خلال 24 ساعة.