في الميدان اليمني الشرعية تستعيد المبادرة

- ‎فيأخبار اليمن

مرة أخرى يعود المبعوث الدولي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى محاولة الالتفاف على التقدم الذي تحققه قوات المقاومة الشعبية والجيش الموالي للشرعية، في عدد من الجبهات، عبر تحريك أدواته العاجزة ورفع ورقة الهدنة البالية، في جهود تهدف إلى وقف العمليات العسكرية، وإتاحة الفرصة للانقلابيين لالتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف، وتلقي المزيد من الدعم، أملا في إعادة الأمور إلى نقطة البداية من جديد.
الذي يلاحظه المتابع العادي لتحركات ولد الشيخ أنها تتزامن مع كل تقدم تحققه المقاومة، فما إن تتم استعادة مواقع من المتمردين، ويتزايد الضغط على طرفي الانقلاب، وتبدأ القوات الحكومية في جني ثمار تخطيطها العسكري، وتتهاوى معسكرات الحوثي وحليفه المخلوع، علي عبدالله صالح، حتى يسارع ولد الشيخ إلى إطلاق التصريحات الداعية للهدنة والتهدئة، ويلتقي المتمردين، ويشرع في إطلاق التصريحات الداعية إلى ممارسة ضغوط دولية بهدف وقف القتال والعودة إلى طاولة المفاوضات، وفي المقابل تختفي هذه الجهود وتضمر في الوقت الذي تلتزم فيه قوات الجيش الوطني بضبط النفس في مواجهة تجاوزات الحوثيين، وخروقاتهم المتكررة للهدنة، واعتداءاتهم على المدنيين، داخل اليمن وفي القرى الحدودية السعودية.
تكررت تلك “المصادفة” كثيرا، واستجابت الحكومة للجهود الدولية أكثر من مرة، انطلاقا من مسؤوليتها في حقن دماء اليمنيين، رغبة في عودة السلام المفقود، فأوقفت القوات الموالية للشرعية تقدمها، أملا في التزام الحوثيين بذات الخطوة، لكن ذلك لم يحدث للأسف، وأدركت الحكومة أنها أضاعت وقتا ثمينا في مفاوضات لا قيمة لها، بسبب سلبية الأدوات التي كان يستخدمها ولد الشيخ وفريق الوساطة، بعدم استخدام وسائل ضغط حقيقية على الانقلابيين، وإرغامهم على التعاطي الجاد مع الجهود المبذولة. حتى بياناته التي قدمها لمجلس الأمن الدولي عن سير المفاوضات وهوية الطرف المتسبب في الفشل، كانت كلها ضبابية، لا تحديد فيها للمسؤولية، ولا إشارة للطرف المتسبب، والمحصلة في النهاية ترتيب الميليشيات لصفوفها من جديد، ومواصلة العدوان على المدنيين خلال فترات الهدنات، واستمرار تهريب السلاح من إيران.
خلال الأشهر الماضية، ومنذ انهيار المبادرة التي تقدم بها وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، أواخر شهر أغسطس من العام الماضي، توقفت جهود ولد الشيخ، واقتصرت على زيارات متباعدة لصنعاء وعدن والرياض، لم تثمر بطبيعة الحال عن تطور جديد، بسبب تعنت الحوثيين ورفضهم التجاوب مع الجهود الدولية لحل الأزمة. وما إن بدأت عملية الرمح الذهبي التي حققت في أسابيع قلائل نتائج باهرة، توجتها باستعادة المخا، وطرد الانقلابيين من مواقع إستراتيجية في الجوف ونهم، وبدأ التجهيز لاستعادة الحديدة، حتى هب المبعوث الدولي من بياته الشتوي، وسارع إلى صنعاء، حيث التقى وفدي التمرد، دون أن يسفر اللقاء عن نتيجة واضحة، ومن ثم التقى في عدن الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي كان حازما في اشتراط التزام الحوثيين أولا بالمرجعيات الثلاث المعتمدة، وإعلان ذلك على الملأ، وتنفيذ قرارات المجتمع الدولي قبل التباحث في أي هدنة أو وقف للقتال.
رد الرئيس هادي الأخير يوضح بجلاء أن الشرعية استوعبت الدرس، وأدركت حقيقة المخطط الرامي إلى إطالة أمد الأزمة، وإضاعة انتصارات الشرعية، وعودة الوضع إلى نقطة البداية، لذلك تمسك بموقفه المسنود –نظريا – من المجتمع الدولي وقراراته الواضحة، وحتى لا يتسبب لقاؤه بولد الشيخ في ارتباك للقوات على الأرض، فقد سارع هادي إلى تأكيد استمرار العمليات العسكرية، دون أن تتأثر القوات المتقدمة، التي واصلت انتصاراتها الساحقة، واستعادت المخا، وباتت تقرع أبواب الحديدة، لإحكام خنق المتمردين.
ولتحري الإنصاف، فإن ولد الشيخ نفسه ليس هو الذي يحدد أصول اللعبة، فهو مجرد مبعوث للمنظمة الدولية الخاضعة لسيطرة الدول الكبرى، يملى عليه ما ينبغي القيام به، مع هامش قليل للحركة واتخاذ المواقف، لذلك فإن مواقف الدول الكبرى وتسوياتها وصفقاتها هي التي تحدد فاعلية الوساطة ونجاعتها. وربما لا يكون اليمن هو المستهدف الوحيد من إطالة أمد الأزمة، بل قد تكون هناك أطراف أخرى، منها دول التحالف الخليجية، لأجل استمرار حرب الاستنزاف التي لا شك أنها تخصم الكثير من قدرات تلك الدول وإمكاناتها، دون النظر إلى الكلفة الإنسانية الباهظة المترتبة على تلك اللعبة، وسقوط مزيد من القتلى، واستمرار معاناة الشعب اليمني المسكين، الذي وجد نفسه رهينة للطموح الإيراني الرامي إلى مد نفوذه في المنطقة العربية، واستخدام المدنيين ومصائرهم كورقة ابتزاز سياسي، بعد أن وجد عميلا حوثيا يقوم بكل ما يطلب منه، دون أن يكلف نفسه مشقة التفكير فيما يقوم به، وما إذا كان هذا الوضع يصب في مصلحته أم لا، وارتضى بأن يتحول إلى مجرد مخلب قط، ينفذ التعليمات الواردة من سادته في قم.
لذلك فإن السبيل الذي ينبغي للشرعية أن تواصل السير عليه هو استمرار رتم العمليات العسكرية على ما هو عليه، وتسريعها إن أمكن، وعدم الإصغاء إلى الأصوات المنادية بوقف القتال، والانخراط في مشاورات عقيمة، لا تسمن ولا تغني من جوع، بعد أن أثبت الحوثيون أنهم لا ينصاعون إلى نداء السلام إلا من خلال استمرار الضغط العسكري المكثف عليهم، فالحوثيون الآن في رمقهم الأخير، ومعنوياتهم في الحضيض، وقتلاهم بالآلاف، وصفوفهم تعاني النقص الحاد، بعد أن امتنع رجال القبائل عن رفدهم بالمقاتلين، وآثروا الانضمام إلى ركب الشرعية وحضن الوطن. وفي المقابل يتمتع عناصر المقاومة الشعبية ومقاتلو الجيش الوطني بمعنويات مرتفعة، وهم يشاهدون العدو يلوذ أمامهم بالفرار، بعد أن امتلكوا أفضل الأسلحة، واستعانوا بأحدث التقنيات التي وفرتها دول التحالف، وبمزيد من الإصرار على مواصلة القتال، لن يمر الشهر المقبل إلا وجحافل الجيش الوطني تدك حصون التمرد وتدخل صنعاء.
وستثبت الأيام أن الدماء الزكية التي سالت من جنود التحالف العربي وأبناء اليمن الأوفياء، وروت مختلف المحافظات لم تضع سدى، إنما كتبت فصلا جديدا في التاريخ، يؤكد أن عاصفة الحزم لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل قرار تاريخي، منع أحفاد كسرى من السيطرة على مهد العروبة، ووضع حدا لأحلام اليقظة، ووجَّه تحذيرا بأن قدرات الدول العربية وإمكاناتها العسكرية والبشرية لن يستطع الآخرون الصمود أمامها، بعد أن اتحدت وباتت تتحدث بلسان واحد. (الوطن)