تحل الذكرى السنوية السادسة لثورتَي الشعبين المصري واليمني، اللتين شهدهما البلدان في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط على التوالي من عام 2011م، فتمكن الشعبان من تحقيق إرادتهما ورؤية أهدافهما على أرض الواقع بعد أن قدما تضحيات لا حصر لها، وخرجا إلى الساحات العامة والميادين بطريقة سلمية وبصدور عارية ضاربين أروع الأمثلة والصور في إظهار رفضهما لحكمين جَثَوَا على قلوبهم وحريتهم لأكثر من ثلاثة عقود، فقابلوا بطش مبارك وصالح من قِبل عناصرهم الأمنية بشكل سلمي ولم ينجروا إلى حمل السلاح والرد على طغيانهم بذات الطريقة ونفس العقلية،
فواجهوا الرصاص بالورود، وردوا على المدافع بالهتافات، وصدوا القنابل بالشعارات، وبذلك سالت دماء الثوار، وسقطت أجسادهم وزُهقت أرواحهم، وشلت أقدامهم وقطعت أياديهم وفقدوا أبصارهم، مضحين بأنفسهم في سبيل الغاية الأسمى التي انتفضوا لأجلها، ولم ينجروا إلى مربع العنف؛ كي لا يمنحوا الفرصة أمام الطاغيين بأنها ليست ثورة ونعتها بفوضى، وليعملا على إبادة الشعب كله لعدم زحزحتهما عن كرسيهما، فالحكمة التي سلكها الشعبان المصري واليمني في ثورتهما السلمية أجبرت على خلعهما بأسلوب راقٍ،
وإن استخدموا السلاح لكانت الحصيلة أنكى، وسيخسرون أرواحاً أضعافاً مضاعفة، ولم يكونوا ليستطيعوا نزعهما من حكمهما، وخلال الست السنوات التي أعقبت انطلاق الثورتين، شهد البلدان العديد من المنعطفات التي أوصلت الوطنين لبروز فئتين وإدخال الشعبين في دوامة لا خلاص منها إلا بقدرة رب السماء، فالفئتان مختلفتان في كل من مصر واليمن؛ فئة مصر شهدت عودة العسكر بزعامة السيسي، وفئة اليمن أظهرت عودة الإمامة السلالية بزعامة الحوثي.
مصر: ثورة يناير
خرج الشعب المصري يوم 25/1/2011م، في عموم شوارع العاصمة والمحافظات الكبرى ضد النظام الحاكم آنذاك ورئيسه محمد حسني مبارك، مطالبين بإسقاطه بعد حكم دام لثلاثين عاماً، فخيَّموا في الطرقات والساحات، ورسموا لأنفسهم أهدافاً واضحة بأنهم لن يبرحوا أماكنهم حتى رحيل مبارك، وبعد ذلك رحيل أركان نظامه السلطويين، فكان لهم ما حلموا به، وتحقق هدفهم الأكبر خلال 18 يوماً، فرحل مبارك يجر أذيال الخسة والسوء.
اليمن: انتفاضة شعب
انتفض الشعب اليمني في شهر فبراير/شباط من عام 2011م، وتحديداً يوم الحادي عشر منه، في جميع ساحات التغيير وميادين الحرية وبزوغ الثورة الشبابية الشعبية السلمية، يبحثون عن وطن سُلب منهم وصار بيد عائلة واحدة تحكم البلد كيفما تشاء، وعبثوا بمقدرات وثروات الوطن لصالح خزائنهم البنكية وزيادة أرصدتهم المالية، فعلي عبد الله صالح صاحب القرار وجميع أفراد عائلته لا يختلفون عن طباعه،
فربَّى صالح أولاده وزرع فيهم صالح ليكون لدينا عائلة تحكم اليمن جميع أعضائها يحملون ذات الفكر والأسلوب، فبعد مرور أشهر على صمود الشعب اليمني السلمي أمام جبروت صالح تمكنوا من اقتلاعه من حكمه عبر المبادرة الخليجية التي نصت في أول بنودها على مغادرة صالح للسلطة، وتحمل الرئاسة للرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، وعبره تمكن الثوار من رؤية ثورتهم أهدافاً تتحقق على أرض الواقع.
مصر: شرعية الحاكم
حكم مصر بعد مبارك المجلس العسكري تهيئة لانتخابات رئاسية، وتم خلال صناديق الاقتراع اختيار الرئيس محمد مرسي كأول رئيس مدني في تاريخ جمهورية مصر، فجاء تنصيب الرئيس مرسي من قِبل شعب بأكمله، فأصبح حاكماً للبلاد مسيراً لأمورهم بشكل ديمقراطي، منتقياً عناصر حكومته من مختلف الأطياف والأحزاب والتكتلات، وهو الذي صعد من رحم المعاناة الثورية وكان من أوائل الناس الذين تواجدوا في الساحات، فاستطاع الثوار المصريون أن يقلدوا رجلاً ثائراً مثلهم رئيساً لهم وذلك باختيارهم المحض، فتشارك الجميع في السلطة وأصبحت الديمقراطية واقعاً وليس مجرد شعار يُتغنى به، فتمثل المعنى الحقيقي للديمقراطية عبر الرئيس محمد مرسي، وهو حكم الشعب للشعب.
اليمن: استفتاء شعبي
شهدت اليمن في 21/2/2012م استفتاء شاملاً من قِبل الشعب عن قبوله أو عدمه حول تنصيب الأخ عبد ربه منصور هادي رئيساً للبلد خلفاً للمخلوع صالح، كما نصت عليه المبادرة الخليجية، وما كانت الانتخابات إلا استفتاءً يؤكد منحة الشعب الشرعية لهادي، وأن الناس كذلك ارتضته رئيساً لها، فكانت إرادة الشعب دليلاً واضحاً وبرهاناً ساطعاً بالقبول الحقيقي للشرعية اليمنية المتمثلة حتى اللحظة بالرئيس هادي؛ ليقود سفينة اليمن تجاه مؤتمر الحوار الوطني الذي شارك فيه الشعب بأكمله عبر الأعضاء المتواجدين تحت سقفه؛ ليشكلوا جميع فئات الشعب من أحزاب وتكتلات ومنظمات وفئات ومستقلين وشباب، رجالاً ونساءً؛ ليبلوروا كل نقاشاتهم وأطروحاتهم وحلولهم وآرائهم نقاطاً ترسم خارطة مستقبل اليمن الجديد.
مصر: انقلاب عسكري على شرعية الشعب
بعد نجاح الثورة المصرية وبزوغ فجر الحرية وسطوع شمس التغيير، أبى فلول مبارك ونظامه الأسود التخلي عن السلطة، وترك الشعب ينعم بتحقق إرادته، وقاموا بالالتفاف على الثورة الشبابية الشعبية السلمية، فانقلبوا على شرعية البلد ضاربين الديمقراطية تحت أرجلهم عن طريق العسكر وسايسهم الأهوج، فعاد النظام العسكري إلى سدة الحكم مرة أخرى، وفشلت الثورة فشلاً ذريعاً؛ لتدخل بعد ذلك وإلى الآن مصر إلى نفق حالك الظلمة والظلم؛ ليغرق الشعب المصري في وحل الفساد الذي استشرى بشكل أكبر من ذي قبل، وتعيش مصر وشعبها أياماً أسوأ من أيام مبارك، وما زالت مصر ومنذ حكم المنقلب السيسي تنحدر انحداراً سوداوياً، ولن يخلص الشعب المصري إلا ثورة أخرى تجتث كل رؤوس الانقلاب، وتعيد مصرهم المسلوبة إلى حضنهم من جديد.
اليمن: تطلعات شعب وخيانة وطن
بعد الاستبشار الشعبي لختام الحوار الوطني ورؤية مخرجاته على أرض الواقع، رفض المخلوع أن يتم رسم ملامح اليمن الجديد دونه، فاستعان بفتية الجبال وزعيمهم عبد الملك الحوثي ليقوده بعد ذلك، واستخدامه كأداة بين أيديهم لإعادة اليمن وجمهوريته ليس إلى أيام المخلوع، وإنما لأكثر من 50 عاماً للوراء؛ ليعودوا الإمامة الغاشمة مرة أخرى إلى الواجهة كحاكمة للبلد، فأدخلوا الوطن في حرب حاقدة على شعب لم يرضخ لفكرهم المقيت، فسذاجتهم سوَّلت لهم أنفسهم بأن يحكموا بالحديد والنار، وأن يصلوا للسلطة للعبث بمقدرات الوطن واقتسامها فيما بينهم، فتحالف رأس الفتنة المخلوع صالح وأتباعه مع صبي مرّان وأزلامه، وغدروا بالوطن وخانوا آمال الشعب، فكانوا كمصاصي دماء،
وقاموا بانتهاك جميع الحقوق والحريات وكل عُرف يجعل للإنسان قيمة في هذا الوطن المكلوم، ولكن بفضل الله -عز وجل- ومن ثم رجال الوطن المخلصين وقوات التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، أفسدت تلك المخططات وذهبت بها أدراج الرياح، ولم يتمكنوا من تحقيق غايتهم في النيل من شعب يتنفس العزة والكرامة والحرية كما يتنفس الهواء، فلقنوهم درساً لا يُنسى بالوطنية وحب البلد، وأذاقوهم مر الهزيمة والانكسار، فها هو اليمن على أعتاب طيّ صفحتهم إلى الأبد.(هافينغتون بوست عربي)