ن يشير رئيس أميركي للتو دخل البيت الأبيض بإصبعه إلى دولة، ويتهمها بأنها راعية الإرهاب في العالم، فهذا أمر جلل، ولافت لكل الدول، ومقلق ومخيف للمتهم الموصوم بعار الإرهاب.
هذا التصريح الخطير من دونالد ترمب، لم يأت انطباعيًا من وجهات نظر الخبراء من فريقه المعروف بعدائيته للمواقف الإيرانية، بل جاء بعد حادثتين مهمتين لا يمكن تجنب تأثيرهما المستفز؛ الأولى اختبار إيران صاروخًا باليستيًا مخالفة بذلك قرار مجلس الأمن، والحادثة الثانية اعتداؤها على فرقاطة سعودية أمام الساحل الجنوبي لليمن من خلال زورق انتحاري.
دونالد ترمب الذي يبدو أنه شخصية عملية وجريئة لم نعهدها في أكثر الرؤساء الأميركيين جرأة وإقدامًا، اتخذ قراره بمحاربة إيران وتحجيمها، والأكيد أنه سيبدأ من اليمن لأنه الساحة الأسهل، والأسرع جنيًا للأرباح التي ستعينه في مناطق وجود إيران الأكثر تعقيدًا كسوريا والعراق.
منطق رجل أعمال ناجح.
وقد بدأت واشنطن فعلاً باتخاذ إجراءات حضورها في المشهد اليمني بإرسال المدمرة «كول» التي نعرفها سابقًا بالهجوم الذي نفذه تنظيم القاعدة عليها في عام 2000، وأسفر عن مقتل 17 جنديًا أميركيًا.
المدمرة ستحرس الموانئ الجنوبية ومضيق باب المندب، كما سترسل واشنطن جنود مشاة بحرية، إضافة لعودة المستشارين العسكريين الذين سحبهم أوباما في 2015، وتوفير المعلومات الاستخباراتية من طائرات الدرون الاستطلاعية والأقمار الصناعية لتحديد الأهداف؛ تمهيدًا لتحرير العاصمة صنعاء.
نستطيع أن نقول إن اليمن سيكون أولى معارك ترمب ضد إيران. الفريق الأمني للرئيس يعتقد أن دحر الوجود الإيراني هناك، وتمكين الشرعية بهزيمة حلفاء طهران (الحوثي وفريق صالح)، سيسهل من محاربة «القاعدة» وبخاصة في مدينة المكلا الجنوبية.
اليمن يمتاز بخصائص عدة جعلت منه أولوية في أجندة ترمب، منها أن المجتمع الدولي يقف مع الحكومة الشرعية والقوات الشرعية، وأجاز عمليات التحالف التي بدأت منذ عامين، وهذا التحالف الذي تقوده السعودية، وتشارك فيه دول عدة مشاركة فاعلة كدولة الإمارات العربية المتحدة، والقوات البرية السودانية، يشكل أرضية قوية للعمل العسكري في تأمين الموانئ، ووقف تهريب السلاح الإيراني لحليفه الحوثي، ومهمة تحرير العاصمة.
تعزيز هذه الجهود بالوجود الأميركي سيرجح كفة الشرعية ويعجل بانتهاء الحرب. هذه المرحلة التي يعبئ لها التحالف مع الولايات المتحدة يراد لها أن تنجز في وقت قياسي يسمح لأطراف النزاع بالعودة الجادة لطاولة مفاوضات الحل السياسي، كما يمهد لحرب ضد تنظيم القاعدة الذي يتوطن اليمن ويعتبر أهم حاضن لقياداته.
الوضع في سوريا أكثر تعقيدًا بسبب الوجود الروسي الذي يتطلب قطعًا مفاهمات من الجانب الأميركي وتعاونًا عميقًا مع الأتراك، خصوصًا أن الحضور الإيراني في سوريا بات متجذرًا، إضافة لمكافحة التنظيمات المسلحة كـ«داعش» و«جبهة الشام».
أما العراق؛ وهو خطيئة أوباما الكبرى، فالأمر فيه أشد تعقيدًا حتى من الساحة السورية، لأن أكثرية العراقيين والمؤسسات النافذة كالحكومة والبرلمان إضافة للميليشيات العراقية، كلها تدين بالولاء المطلق لإيران، أي أن شرعية الدولة مرتهنة بالإيرانيين، وسيتحتم على ترمب وفريقه التمرحل في التعامل مع العراقيين من خلال أكثر من مستوى سياسي واقتصادي.
ترمب وفريقه متحمسان للوقوف في وجه إيران على كل الجبهات، وقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات إضافية جديدة على إيران شملت شخصيات وشركات بعضها مستقر في الصين.
زعيم تنظيم القاعدة في اليمن قاسم الريمي توعد ترمب بحرب أشعل فتيلها، بعد أن أمر بتوجيه ضربة عسكرية أدت لمقتل 14 متشددًا من عناصر التنظيم.
الواقع أن هذا التهديد هو أولى جولات «القاعدة» مع الرئيس المتربص، لكن المريح في الموضوع اليمني أن التحالف يلتقي مع ترمب في مصلحته بالقضاء على تنظيم القاعدة الذي لا يزال عرّاب الإرهاب، ويحظى لدى التيار المتطرف بوجاهة القيادة.
نحن نعيش حالة عكسية شبه كاملة لفترة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. كل ما تعسرت فيه وجهات النظر معه، عاد بالتيسير مع دونالد ترمب.
لكن الحقيقة التي يجب ألا تغيب، أن حماس ترمب لمصالحنا ينطلق من حمايته لمصالح الولايات المتحدة في المقام الأول، وليس ترضية أو جائزة أو تعويضًا عما مضى. المصالح الأميركية مرتبطة بمصالح حلفائها في الشرق الأوسط، إضافة لدورها كدولة عظمى في حماية أحد أهم الممرات المائية في العالم وهو باب المندب، ومع ما ذكرته آنفًا من ضرورة التفرغ لحرب تنظيم القاعدة في اليمن الذي استحكم وجوده بسبب الحرب. ترمب مقتنع بأن السلوك الإيراني في المنطقة والسكوت عنه طوال أعوام مضت، مكّن لظهور تنظيم داعش وجبهة النصرة، وأن محاربة التنظيمات الإرهابية المسلحة يجب أن تبدأ بعلاج المسبب لا المرض.
هذا صحيح وواقعي، فرغم أن أوباما استخدم الجزرة مع إيران، مؤكدًا أن الدبلوماسية هي الحل الأمثل معها، باءت قناعته بالفشل، ولم تزدد طهران بعد التقارب معها إلا غرورًا.
*مقال للكاتبة في صحيفة الشرق الاوسط