أعادت جريمة استهداف مسجد كوفل في مأرب اليوم الجمعة الى الاذهان ما ارتكبه بلاطجة المخلوع صالح يوم جمعة الكرامة قبل ستة اعوام عندما انتهك في هذا اليوم المشئوم قناصة المخلوع صالح ونظامه حرمة الصلاة وأحالوا “الجمعة” في جمعة الكرامة الى يوم قتل للشباب المحتشد بسلام ووداعة في ساحة التغيير واقترفوا دون رحمة او انسانية أبشع مجزرة بحق الوطن.
يتكرر المشهد اليوم في كوفل وان اختلف المكان ولم يختلف الزمان يظل القاتل هو نفسه واداة القتل هي ذاتها فلا اختلاف بين العدويين سواء كان متمترسا فوق جبل او ملثما تحجب رؤيته سحب الدخان المرتفعة في السماء فكلاهما استمرأ قتل الروح البشرية وانتهكا حرمة الحياة.
فحادثة كوفل اليوم هي صورة حية لجريمة الامس القريب في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء فمع انتهاء عشرات الآلاف من المتظاهرين السلميين يوم الجمعة 18 مارس 2011 من اداء صلاة الجمعة، حتى انهالت عليهم رصاصات الموت من جهات عدة وظهر مسلحون ملثمون وهم يطلقون نيران بنادقهم نحو جموع المصلين من خلف جداراً حجرياً بارتفاع 2,5 متراً كان سكان المنطقة والموالون للمخلوع صالح قد أقاموه بين المتظاهرين والمسلحين، ثم أغرقوه بالبنزين وأضرموا فيه النيران مع بدء الهجوم مما نشر سحب الدخان التي أخفت مطلقي النيران وحاصرت المتظاهرين.
برغم المذابح والمجازر التي ارتكبت على طول وعرض الساحة اليمنية إلا أن مذبحة جمعة الكرامة مثلت الهجوم الأكثر دموية على المتظاهرين السلميين في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء ولم تكن الوحيدة بالتأكيد لكنها كانت الأولى وربما الأخطر والأهم في مسار الثورة اليمنية السلمية.
فعلى مدار اربع ساعات متواصلة قتل مسلحوا نظام المخلوع علي عبدالله صالح ما لا يقل عن 43 متظاهراً من الشباب والاطفال وأصابوا ما يربو عن 200 آخرين على مرأى ومسمع من قوات الامن والشرطة التي انسحبت الى خلف خطوط المسلحين تاركة المجال لهم لارتكاب جريمتهم البشعة دون ان تبذل اي جهداً يذكر لوقف تلك المذبحة.
الثامن عشر من مارس 2011 يوم استقت الارض بدماء شباب الطهر والنقاء.. لا زلت ومعي الكثير نتذكر ذلك اليوم بحزن واسى فقد كان بعضا من اهلنا ورفاقنا هناك.. فبعد انقضاء الصلاة عدنا الى البيت وكنا نشاهد الفاجعة على شاشة التلفاز حاولنا الاتصال والاطمئنان على اخواننا ورفاقنا في الساحة لكن دون جدوى اردنا الوصول الى ساحة التغيير إلا ان الخطوط كانت مغلقة والشوارع اشبه بالثكنات العسكرية وجنود الامن المركزي وبلاطجة المخلوع يملئون الازقة والحواري ويطلقون النار على كل من يريد التوجه الى ساحة التغيير او يحاول الوصول اليها.
ظلت مذبحة الكرامة جرح غائر في قلب كل يمني وذكرى عالقة في اذهانهم فقد كان القاتل لا يفرق بين ضحاياه وجعل كل شئ حي يتحرك في الساحة هدفا لرصاصاته القاتلة وشهدت هول هذه الفاجعة الصحفية الاستقصائية أيونيا كريغ، وهي صحفية حرة كتبت عن رؤيتها لمجموعة اطفال في خيمة بساحة التغيير في ذلك اليوم مع بداية انهمار الرصاص: “كان الصبية – بعيداً عن قسوة ما يحدث على مسافة أقدام قليلة منهم، يحجبهم عن الخارج غلالة قماشية بيضاء خفيفة – يتمازحون ويضحكون. كان اثنان منهم يرتديان خوذات بلاستيكية هندسية وزعت على مخيم المعتصمين للحماية من الحجارة، التي أصبحت من أسلحة معارك الشوارع الشائعة على مدار الأيام الأخيرة… كان من الواضح تماماً أن الخيمة التي انهارت جزئياً لا توفر إلا أقل الحماية من رصاصات الرشاشات الكلاشنيكوف المتطايرة في الهواء. ومع عدم قدرتي على التعبير عن تضامني واهتمامي باللغة العربية للصبية الضاحكين، أشرت لهم أن يغادروا الخيمة، وكنت أهم بمغادرتها بدوري. رفضوا ذلك”.
بين جمعتين سفك السفهاء دماء اليمنين دون وازع من ضمير او ذرة من انسانية واستباحوا الحرمات وانتهكوا الاعراض وهدموا البيوت والمساجد وشوهوا مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ودعوا إلى تبني الأفكار الطائفية والمذهبية الخبيثة ومضوا يدمرون النسيج الاجتماعي ويفرقوا بين ابناء الوطن الواحد بدعم وتأييد من قوى خارجية ومداهنات من مؤسسات ومنظمات دولية.