دخل المشهد اليمني في مدينة عدن جنوبي البلاد، منحى خطيرا، بعد الإعلان المثير الذي خرج به الحراك الجنوبي الداعم للمحافظ المقال، عيدروس الزبيدي، باسم “بيان عدن التاريخي”، الذي جعل من قرارات الرئيس عبدربه منصور هادي الأخيرة، محطة للتصعيد والدعوة للانفصال.
تصعيد فصيل الحراك المؤيد للواء الزبيدي، وضع الرئيس اليمني وفقا لمراقبين، أمام خيارات صعبة للتعامل مع المتغيرات التي يراد فرضها في المشهد السياسي بمدينة عدن، التي تتخذ منها الحكومة الشرعية مقرا لها.
خيارات صعبة
وفي هذا السياق، يقول السفير عبد الوهاب العمراني بأن خيارات هادي صعبة بعد انفراط العقد الوهمي مع شركاء الشرعية المفترضين، الأمر الذي يجعل من تراجعه عن قراريه بإقالة الزبيدي وابن بريك من منصبيهما “مستحيلا”.
وأضاف في تصريح خاص لـ”عربي21″ أن استمرار الرئيس هادي في إيقاعه البطيء وعدم تحركه تجاه التصعيد للحراك الذي يقوده اللواء الزبيدي، يزيد من تعقيد المشهد في الجنوب وخطورته.
وبحسب الدبلوماسي اليمني، فإن أمام الرئيس هادي ثلاث خطوات مهمة للحسم، هي: “المضي قدما في تدشين فكرة الأقاليم والنداء بأقاليم حضرموت خلال أيام، فيما تكمن الثانية في “سرعة استكمال ترتيب أوضاع المقاومة الجنوبية ودمجها بالجيش الوطني والاهتمام بها تسليحا وتدريبا”.
أما الثالثة وفقا للعمراني، تتركز في”تقديم الدعم للمحافظ الجديد المفلحي من الحكومة الشرعية والتحالف العربي على حد سواء، من خلال سرعة توفير الخدمات وإعادة الثقة للمواطن الجنوبي بشرعيته، وإلا فالأمور ستزداد سوءا.
وفي تعليقه لما سمي بـ”إعلان عدن التاريخي”، رأى السفير اليمني أن التظاهرة جسدت حالة من الانقسام للجبهة المناوئة للدولة المدنية، وتسير بالجنوب نحو ميلاد “فصيل حراكي جديد”، لم يستبعد أن مصيره كالمشاريع الصغيرة التي ليس لها قبول شعبي في الجنوب نفسه، بمجرد أي تفاهم قد يحدث بين دول الإقليم.
لكنه لفت إلى أن هناك قوى إقليمية تعد عيدروس الزبيدي لدور مشابه لـ”خليفة حفتر” الليبي في المحافظات الجنوبية، لفرض هيمنتها على مؤسسات الدولة هناك.
ورأى العمراني أن تخاذل وضعف الشرعية ومن ورائها اختلال حسابات التحالف العربي وخلافاته، قد انعكس على قضية التحرير وطي صفحة الانقلاب، غير أن غياب الحكومة عن مدينة عدن، كعاصمة مؤقتة، على مدى عامين، لاشك، أن ذلك قد هيأ لهذه النتائج.
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، ورئيس منتدى الجزيرة العربية للدراسات، نجيب غلاب، إن الجديد فيما سمي بـ”إعلان عدن”، هو أن الحراك التابع للواء الزبيدي، يمتلك قوة عسكرية وأمنية موالية له، وأصبح كثير من أعضائه متغلغلين في مفاصل الحكم المحلي وفِي الشرعية وفِي الجيش والأمن”.
وأضاف في حديث لـ”عربي21″ أنه إذا استمر اللواء الزبيدي يدير تلك المجموعات، ولم تصبح جزءا من القوات العسكرية الشرعية، فإنها مليشيا منظمة وهذا يجعله متمردا.
وأشار رئيس منتدى الجزيرة العربية للدراسات إلى أن “إعلان عدن” الصادر الخميس، يمثل أقلية وهو يعبر عن طموحات “عيدروس الزبيدي” في امتلاك الحراك، ولم يتم انتخابه واختياره عبر هذا الإعلان، وهذا لا يعني أنه أصبح الأقوى في الجنوب، غير أنه في الواقع كما يراه العدنيون يمثل الضالع ولا يراه الحضارمة ممثلا لها في وقت تنظر حضرموت لنفسها على أنها “غير جنوبية”.
وحذر غلاب من أي اتجاهات نحو الانفصال، لتعارضها جذريا مع “عاصفة الحزم”، بل إن الاندفاع نحو هذا الاتجاه يمثل مخاطرة ومآلها إنقاذ الانقلاب وانتصار إيران في اليمن.
وحول الخيارات المتاحة أمام الرئيس هادي للتعامل مع هذه المتغيرات، أجاب أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، أن الرئيس هادي سيبذل جهده لتطبيع الأوضاع في المناطق المحررة بدعم وإسناد التحالف.
ونوه إلى أن أي مسار من قبل الزبيدي، لمحاصرة الشرعية في عدن، فمن المتوقع أنه سيتم التعامل معه بحسم من قبل الحكومة الشرعية والتحالف، لا سيما أن هناك ترتيب أوضاع عبر اللجنة الثلاثية المشكلة برئاسة اليمن وعضوية كل من السعودية والإمارات.
وأوضح غلاب وهو مسؤول في وزارة الإعلام بالحكومة الشرعية، أن هناك ضغوطا على الرئيس ناتجة عن “الاختلاف في إدارة المعركة”.
وتعليقا على الدور الإماراتي الداعم لإعلان عدن، قال السياسي اليمني غلاب إن الإمارات لن تكون مع فك الارتباط، لما يمثله ذلك من خطر كبير عليها في المقام الأول، في حين أنه لا يمكن لحكومة أبوظبي تبني الانفصال، حتى ولو كان خفية، كون ذلك يناقض جذريا أهداف التحالف العربي وعملياته العسكرية، وبالتالي سيقود إلى تسليم الشمال للحوثية ليصبح قنبلة دائمة في خاصرة السعودية.
احتواء وتعزيز
من جهته أفاد الصحفي والمحلل السياسي اليمني، فؤاد مسعد بأنه يتعين على الرئيس هادي احتواء أي قضايا خلافية، قد تؤدي إلى إشاعة الفوضى في عدن والمحافظات المحررة، من خلال تفعيل خطوط التواصل مع المكونات والقوى السياسية والاجتماعية والمقاومة، والحراك الجنوبي سواء المؤيد لما يسمى بـ “بيان عدن التاريخي” أو المعارض له.
وأضاف في حديث لـ”عربي21″ أن هناك خيارات متاحة أمام الرئيس هادي منها تعزيز أداء فريقه الحكومي والسلطات الإدارية، لضمان تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، بالإضافة إلى استكمال عملية دمج أفراد المقاومة في القوات الحكومية.
واعتبر مسعد أن ما ورد في بيان عدن، لا يعدو كونه موقفا سياسيا وإعلاميا فقط.
وكان الإعلان الذي أعلن عنه الخميس، باسم “بيان عدن التاريخي” قد فوض محافظ عدن المقال، عيدروس الزبيدي، بإعلان قيادة سياسية وطنية (برئاسته) لإدارة الجنوب وتمثيله، على أن تتولى هذه القيادة تمثيل الجنوب وقيادته، لتحقيق أهدافه وتطلعاته.
وأصدر الرئيس اليمني في 27 نيسان/ أبريل الماضي، قرارين بإقالة اللواء الزبيدي من منصب محافظ عدن، والقيادي السلفي المثير للجدل هاني بن بريك، من منصب وزير الدولة بالحكومة وإحالته للتحقيق، وهما حليفان لحكومة أبو ظبي.