ساعات معدودة قضاها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في الكرملين أمس الأول، إذ التقى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورسم خريطة شراكة إستراتيجية وتحالفات طويلة المدى مع روسيا، ترتكز على تحقيق الأمن والسلام في المنطقة، وتعزيز التعاون في المجالات النفطية ولجم الإرهاب، وتضييق نطاق الخلافات حول بعض القضايا السياسة عبر المضي في الحوار الإستراتيجي.
الزيارة المكوكية لمحمد بن سلمان إلى روسيا عكست حرص الرياض على الاستمرار في تنويع تحالفاتها في العالم شرقا وغربا، فعندما أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز دبلوماسية الاتجاه إلى الشرق أخيرا، توجه الأمير الشاب ابن سلمان إلى الغرب، وحقق اختراقا إيجابيا غير مسبوق، تمخضت عنه دبلوماسية قمم «العزم يجمعنا» غير المسبوقة بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والتي حققت نتائج غير تقليدية تجسدت في «إعلان الرياض».
ورغم أن السعودية حققت اختراقا إيجابيا مع الإدارة الجمهورية الأمريكية الجديدة، وغيرت قواعد اللعبة في المنطقة بامتياز، وبالرغم من التطوّر الإيجابي الذي طرأ على علاقاتها مع واشنطن في عهد الرئيس ترمب، إلا أن السعودية ماضية في إستراتيجية الانفتاح شرقا وغربا، خيارا ثابتا في علاقاتها الدولية، واضعة في اعتبارها مصالحها الإستراتيجية أولا في سياستها الخارجية، التي تعكس تكاملا في دبلوماسية حرق المراحل، التي انتهجها الأمير الشاب محمد بن سلمان مع قمم «العزم يجمعنا» في الرياض، إذ تسعى الرياض إلى عدم وضع التحالفات في سلة واحدة.
وبحسب مصادر روسية رفيعة، فإن الأمير محمد بن سلمان شرح للرئيس بوتين طبيعة تموضع السياسة السعودية في مرحلة ما بعد قمم «العزم يجمعنا»، مؤكدة أنه لا يوجد لدى موسكو أي قلق من التقارب الحالي بين الرياض وواشنطن، باعتبار أن كل دولة لها الحق في تطوير علاقاتها لتحقيق مصالحها.
زيارة ابن سلمان إلى موسكو تتسق مع التقييم السعودي بضرورة تنويع الشراكات، وتحقيق المصالح الإستراتيجية بين موسكو والسعودية، ورغم التباين في موقفي البلدين حول الشأن السوري، إلا أن الرياض تبنت نهجا شفافا مع موسكو، على نحو لا يتأثر بالخلاف حول الملف السوري. وهذا ما وضحه الرئيس بوتين لدى استقباله محمد بن سلمان أن روسيا والسعودية تعملان معا للتوصل إلى حل للأزمة السورية. من جانبه، وفي إطار دبلوماسية الصراحة، قال محمد بن سلمان: إن هناك الكثير من النقاط المشتركة بين البلدين، مشيرا إلى أن هناك آلية واضحة لتجاوز كل الخلافات الموجودة، وأنه لا توجد تناقضات بين موسكو والرياض في سياستيهما.
ونجح ابن سلمان في نسج علاقة شخصية ودية مع الرئيس الروسي، وهو ما يضفي بعداً إستراتيجيا على طبيعة العلاقة مع موسكو، ونتج عن ذلك تطلع بوتين نفسه لزيارة مرتقبة للملك سلمان قريبا لروسيا. وأضاف بوتين «أثق في أن الزيارة الأولى في تاريخ علاقاتنا، ستكون إشارة جيدة وحافزا لتطوير العلاقات».
وباعتبار أن ملف الطاقة والنفط يعتبر أحد المحاور الإستراتيجية في سلة العلاقات السعودية الروسية، فلقد ارتقى التعاون إلى مستوى جيوستراتيجي في إدارة ملف الطاقة في العالم، خصوصا أن الرئيس بوتين والأمير محمد بن سلمان لعبا دورا فعالا في التوصل إلى اتفاق عالمي، أدى إلى خفض إنتاج النفط بـ1.8 مليون برميل يوميا، في إطار جهود لتعزيز الأسعار والحد من المخزونات الضخمة، وهذا ما عبر عن بوتين عندما شكر الرياض على موقفها في سوق النفط، مؤكدا أن الجهود المشتركة للبلدين تسمح بتحقيق الاستقرار في السوق العالمية للوقود.
وأشاد الرئيس الروسي بدور السعودية في صياغة أطر التعاون بين أعضاء «أوبك» والدول المنتجة للنفط من غير الأعضاء في المنظمة. ومثل لقاء الكرملين تعزيزا للتوافق السعودي الروسي حول الاتفاق النفطي الذي قادته المملكة، إذ يضمن لأول مرة في تاريخ المنظمة تعاون الدول المنتجة للنفط من خارج «أوبك»، وعلى رأسها روسيا. وجاء لقاء محمد بن سلمان مع بوتين بعد اتفاق منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الأسبوع الماضي مع منتجين عالميين كبار آخرين تقودهم روسيا على تمديد خفض الإنتاج تسعة شهور أخرى. ساعات معدودة قضاها ابن سلمان، تجلت فيها الشفافية والوضوح والحرص على تجديد الشراكات مع موسكو.