“أنا خائفة .. طعني ..طعني” تصرخ نادية جميل العامري (25 عاما) جراء وقوعها تحت تأثير صدمة نفسية، بسبب تعرضها لاعتداء من قبل نجل ضابط كبير في الجيش، أطلق سراحه من السجن في عملية تواطؤ اشترك بها ضباط آخرين والنيابة العامة في محافظة الحديدة. وهذا ما سيجعل من حلم نادية التي تدرس القانون يتحول إلى كابوس مرعب، بعد أول اختبار عملي لها، حيث لم تستطع الانتصار لنفسها أمام نفوذ ضباط عسكريين.
وقعت الحادثة التي أرهقت نادية وأسرتها ماديا ونفسيا، منتصف أبريل الماضي، على خلفية خلاف بدأ أسريا، وانتهى بتدخل ضباط في الجيش، قام نجل أحدهم بتسديد طعنات مميتة لنادية، ثم التضييق على أسرتها، وأخيرا إطلاق سراح المتهم بناء على توجيه من النائب العام في سلطة الأمر الواقع بالعاصمة صنعاء.
وتوضح القرائن الواردة في وثيقة الأدلة والإثباتات حول القضية بوجود نزاع حول قسمة المنزل بين والدة المجني عليها وأخوها، الذي تربطه علاقة مصاهرة بضابط عسكري برتبة عقيد يعمل في سلاح المهندسين بصنعاء، واستعان به لمحاولة التأثير على القضية التي كانت قد وصلت للمحكمة.
ألتقينا بنادية جميل في مستشفى الأمل التخصصي، حيث ترقد لاستكمال العلاج، بعد أن قادنا إليها، ومناشدة لوالدها نشرها على صفحته الشخصية في “فيس بوك” حيث قال أن أبنته تعرضت للطعن من قبل نجل ضابط برتبة عقيد، وأن الجناة “يمارسون ضغوط بالتهديد لإرعابنا وإجبارنا على السكوت, وتارة بالإفراج عن الجناة باستخدام نفوذهم بهدف تحريف المشكلة عن مسارها الحقيقي، وتخويفنا”.
عندما بدأنا بمتابعة القضية التي ستكشف حجم الظلم الواقع بحق هذه الأسرة، كان المتهم الرئيسي في القضية قد أطلق سراحه، بناء على توجيه النائب العام، في مخالفة صريحة للقانون لكون القضية كانت قد تجاوزت النيابة وجرى احالة ملفها إلى الى المحكمة، وحدد موعد لبدء النظر فيها، بعد اجازة عيد الفطر المبارك.
سردت نادية جذور المشكلة التي بدأت عائلية قبل أن تتطور بفعل تدخل بعض المتنفذين.. تروي قائلة ” كانت عبارة عن مشكلة أسرية بسيطة، بدأت بعد أن قررنا أنا واختي واخي وامي العودة لمنزل جدي بشارع الحكيمي وسط مدينة الحديدة، لكن خالي منعنا وهددنا باستدعاء صهيره الذي يتمتع بنفوذ في الجيش”.
في الثالث عشر من ابريل الجاري، كانت نادية عائدة مع أمها من قسم شرطة بعد أن رفضت تسوية ترى أنها مجحفة بحقهم، وعندما وصلت إلى أمام منزلها، تفاجأت أن خالها قد لحق بهم وبصحبته صهيره الضابط ونجل هذا الأخير، وبدأوا شجارا مع أمها، تطور الى اشتباك بالأيدي ورفع السلاح عليها.
نجل الضابط بحسب ما تقول نادية “كان يحاول أن يطلق الرصاص عبر مسدس مصوب نحو أمي، لكن المتواجدين أثنوه وسحبوه بعيدا، وكنت بدوري أحاول تهدئة أمي، بعدها شعرت بشئ حاد يخترق جانب جسدي, التفت وكان نجل الضابط الذي تربطه علاقة مصاهرة بخالي، ممسكا بالجنبية التي طعنني بها، وصلت إلى جنب الباص والسيارة وأنا اصرخ ..طعني ..طعني وكنت ملطخة بالدم ثم وقعت على الأرض وفر الجناة”.
الإستعانة بضابطين
يقول والد نادية، أن الجاني استعان بأثنان ضباط، أحدهم برتبة عميد والأخر برتبة عقيد، وهؤلاء قاموا بملاحقتهم إثناء محاولة إسعاف نادية.
ويضيف “في البداية ذهبوا بها الى المستشفى العسكري، لكن اصابتها كانت خطيرة فتم نقلها الى مستشفى الأمل التخصصي”. لكن أولئك الضباط (نحتفظ بأسمائهم) بدئوا بملاحقتنا وتهديدنا بأكثر من طريقة، لإجبارنا على السكوت، ثم بفعل نفوذهم نجحوا في اطلاق سراح الجاني قبل محاكمته”.
عادت نادية لتواصل الحديث موضحة حجم الرقابة الشديدة التي فرضت عليها. كانت لا تزال على سرير طبي لا تقوى على الحركة، وكنت انصت لحديثها، وشعرت (محرر المادة) أن غرفة العناية قد تتعرض للمداهمة في أية لحظة.
تقول “اراهم بين اللحظة والأخرى من النافذة وهم يجولون بجانب المستشفى، هددوني بالموت يوم وصولي وكذا ابي وقالوا انهم سوف يصفوا أمي، وحتى الآن يرقبون كل من يدخل غرفة عنايتي”
قطع حديث نادية المفزع دخول أحد عاملات النظافة .. التي كانت ترمقنا بعيون مخيفة وهي تدعي انها تنظف الأرض بقطعة مهترئة .. أشرت لنادية بوقف الحديث وفهمت الأمر وطلبت منها الانصراف كون الغرفة نظيفة .. فردت بارتباك يوحي أن أحد ما أستخدمها في شيء “ها..ها.. حاضر.. حاضر” ثم غادرات مسرعة. تلى ذلك مرور وقت قصير حتى دخل مدير المستشفى وخلفه رجلان وكان واضح أنه دخل ليعرف حال جميلة التي كانت منشغلة بسرد الحادثة وتنبهت للمدير الذي سألها عن الحال لكنها ردت” هذا المدير وهو عارف انهم تهجموا على المستشفى وعلي” لفت المدير نحونا ثم غادر بصمت.
معاناة نادية وأسرتها
تسببت حادثة الطعن لنادية بنزيف كبير داخل البطن وجرح نافذ في الكبد و قطع كامل لمحيط الجدار الأمامي للأنثى عشر مع تمزق لقوس الشريان ، وبحسب تقرير طبي صادر من مستشفى الأمل التخصصي الذي اخضع جميلة تحت العناية المركزة قرابة الشهر فأنها ” تعاني من تسرع ضربات القلب وآلام في الصدر والبطن وصدمة نفسية واكتئاب”.
يرى الاطباء أن نفسية نادية تدهورت بفعل صدمة نفسية سببها ملاحقتها وفرض الرقابة عليها وايضا تهديدها، ولذلك فهي لا تزال بحاجة إلى إشراف مختصين بالمرض.
تابعنا حادثة نادية عن قرب, حيث قيد عليها المستشفى مبلغ باهض , دفع والد الجاني جزء منه والجزء الآخر اضطرت أن ترهن منزل والدها, وتترقب منقذ ينتصر لها حتى تستطيع استكمال إجراءات العلاج النفسي وعلاج جرح الطعن الذي زاد سوء جراء توقف علاجها وخروجها من المستشفى.”
تزداد درجة الحرارة في صيف الحديدة بشكل لا يمكن العيش بعيدا عن الغرف المكيفة مما أجبر نادية التي تنتظر توجيه باستكمال علاجها واستوطنت احد الفنادق الباردة، حتى لا تتضاعف حالتها سوء. وقد أظطر والد نادية إلى رهن منزله، بسبب رتفاع كلفة الاقامة في فندق وما قال أنه زيادة في النفقات اليومية التي أرهقت كاهله.
المتهم برئ بفعل “وساطته”
توضح القرائن الواردة في وثيقة الأدلة والإثباتات حول القضية بوجود نزاع حول قسمة المنزل بين والدة المجني عليها واخوها، الذي تربطه علاقة مصاهرة بضابط يدعى (أ. ص. ق) برتبة عقيد يعمل في سلاح المهندسين بصنعاء.
وفي يوم 13 لشهر مايو الجاري قدمت النيابة العامة قرار اتهام بشأن الإجراءات الجزائية للمتهم أمام محكمة الأمور المستعجلة في محافظة الحديدة والحكم عليه بالعقوبة المقررة شرعا وقانونا. لكن النيابة امرت بعد ذلك بإطلاق سراحه.
وقد تواصلنا مع نقابة المحامين بالمحافظة لتفسير ذلك, وقد وصفت الحادثة بمحاولة القتل وقد كلفت أربعة من محاميها لتقديم المساندة القانونية والعون القضائي, لكون نادية تدرس الشريعة والقانون مستوى ثاني.
أفاد المحامي صدام المدحجي أحد المكلفين بمتابعة القضية، أن” لنيابة افراجت عن المتهم بدون مسوغ قانوني، بسبب امتلاكه نفوذ قويه بالنيابة ومن النائب العام بصنعاء ونفوذ وساطة عبر سلطة أمر الواقع”. مضيفا “واجهنا صعوبات كبيرة من النيابة”.
واردف عضو نقابة المحاميين اليمينين أن” النيابة اختصاصها انتهي، عندما اصدرت قرار اتهام بالمتهمً، ولا يحق لها الافراج عن المتهم بعد قرار الاتهام”. شارحا ذلك أن” النيابة في بلادنا مختصة بالتحقيق في القضية، ثم تفعل قرار اتهام وتصدر الملف للمحكمة، وبعد الإرسالية للمحكمة ينتهي ولايتها وصلاحيتها”.
ووضح صدام أن” قضية النيابة رقم477لـ2017م حققت النيابة وفعلت قرار اتهام وارسلت الملف للمحكمة علي اساس محاكمه المتهم محمد أحمد القاضي محبوسا لكن المحكمة رفضت استلام الملف وقالت للنيابة ان القضية جسيمه شروع في قتل كون المحكمة بسبب الإجازة القضائية تستقبل القضايا المستعجلة فقط، فيما النيابة قامت بالأفراج عن المتهم وهي منتهي ولايتها ولا يحق لها الافراج عنه”.
يقول المحامي المدحجي أنه “كان يجب أن يظل المتهم بالحبس إلى بعد العيد بنفس بقيه القضايا ومساوة باغلب الناس الذين رموا بملفاتهم وهم محابيس بالسجن حتى فترة استئناف وعودة القضاء بعد عيد الفطر”.
وتقول النقابة أن القائم بأعمال وكيل نيابة شمال الحديدة وعضو النيابة محمد المحبشي انه من قام بالأفراج عن الجاني، في وقت يزداد الاضطراب النفسي لنادية الذي تدرس في السنة الثانية بكلية الحقوق بالحديدة وتقول” قدمنا البيت رهنا مقابل العلاج في المستشفى فأسرة المتهم أوقفت دفع الرسوم بعد عشر أيام، ثم جابوا افراج من النائب العام عن المتهم ..لطالما كنت أحلم أن أنتصر من خلال دراستي في الشريعة والقانون لحقوق الناس.. أجد الحلم كان كابوس فعلا في بلد يسلب المظلوم ابسط حقوقه وباسم القانون ” وناشدت الطالبة نادية من على سرير متحرك أن يتم ” الضغط على النيابة بشكل قوي لضبط الجاني وتمديد المحبوسية لينال جزائه العادل ويتم استكمال العلاج لحالتها التي تزداد تدهورا”.
*اليمن السعيد