الحصيلة البشرية للحرب التي لا تنتهي في اليمن

مدير التحرير22 يوليو 2017
الحصيلة البشرية للحرب التي لا تنتهي في اليمن

لأكثر من عامين، تعرضت المدن اليمنية الواقعة في المناطق الجنوبية الغربية للقصف، في خضم المعارك الحصرية الطاحنة. عندما وصلت إلى هناك في آذار/ مارس، كان من المتوقع أن تستغرق رحلتي من ضواحي المدينة إلى مركزها 10 دقائق فقط، ولكن عوضا عن ذلك، استغرق الأمر مني أربع ساعات ونحن نسير في طرقات جبلية ونمر بعشرات نقاط التفتيش، التي يُحكم السيطرة عليها مجموعة من المراهقين الذين كانوا يحملون بنادق هجومية من طراز إيه كيه -47.

بينما كانت سيارتنا من طراز “لاند كروزر” تجوب شوارع المدينة التي أمست أنقاضا وأحرقت سياراتها، كان الناس يهتفون لنا. في الحقيقة، لقد انتابني شعور غريب كما لو أنني نجم موسيقي (روك) مشهور، لكن الاختلاف الوحيد أنني كنت أدخل مدينة متورطة في صراع مسلح، وليس قاعة حفلات موسيقية.

في الواقع، تعد اليمن أحد أفقر دول الشرق الأوسط. منذ مطلع سنة 2015، وجد شعبها نفسه في تحت وطأة حرب ضروس بين القوات الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به دوليا، وأفراد الجماعة المسلحة التي تعرف باسم الحوثيين.

والجدير بالذكر، أن التحالف الذي تقوده السعودية، والذي يضم في معظمه دولا عربية تلقى دعما لوجيستيا واستخباراتيا من قبل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، يقوم بشن ضربات جوية ضد الحوثيين منذ سنة 2015، كما ضيق الخناق على عملية استيراد الإمدادات إلى البلاد.

عموما، إن المنظمة التي أنتمي إليها، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هي إحدى وكالات المعونة القليلة القادرة على العمل داخل الخط الأمامي لمدينة تعز. أما الناس الذين يعيشون هناك، فهم على دراية كاملة بأننا جئنا لتحقيق الإغاثة. قبل قدومي إلى اليمن، سمعت العديد من الحكايا عن الأهوال التي يمر بها المواطنون، ولكن ما رأيته في تعز كان أكثر صدمة مما تخيلت؛ فالقناصون يستهدفون المواطنين الذين يسيرون في الشوارع.

علاوة على ذلك، غالبا ما تستهدف قذائف الهاون المستشفيات والمدارس والمنازل. كما يجري الأطباء والممرضون العمليات الجراحية في ظل عدم توفر حتى المعدات الأساسية الضرورية. أما المواطنون فيبحثون عن طعام يسدون به رمقهم في أكوام القمامة.

يمر خط المعركة مباشرة وسط تعز، لذلك تحول جزء كبير من المدينة إلى منطقة لا يسمح للمدنيين بعبورها خوفا عليهم من استهداف القناصة. في الواقع، بعد أن وصلنا إلى 300 ياردة من الخط الأمامي للمدينة، وجدنا المدينة أمست “مدينة أشباح”، حيث يعاني كثير من الناس في تعز من الجوع والمرض، لأنه لا يوجد ما يكفي من الغذاء أو الدواء، ناهيك عن أنهم يعيشون في خوف دائم. وبالتالي، يبدو جليا أن هذه هي المعاناة الحضرية، التي نراها في المدن الحربية في الشرق الأوسط، بدءا من تعز ووصولا إلى حلب في سوريا.

في الحقيقة، تعد تعز صورة مصغرة عن الحرب اليمنية. فقد أدى ما يزيد عن سنتين من القتال الحضري المكثف إلى مقتل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص في جميع أنحاء البلاد، فضلا عن إهدار العديد من المراكز السكانية في اليمن. بالإضافة إلى ذلك، أدت الغارات الجوية والمدفعية إلى تدمير البنية التحتية الأساسية، مثل المستشفيات، وخطوط أنابيب المياه، وشبكات الكهرباء. وتجدر الإشارة إلى أن اليمن تعتمد على الواردات الغذائية بنسبة 90 في المائة. لكن القيود الشديدة المفروضة على تلك الواردات، من الغذاء والدواء والوقود، ما انجر عنه نقص حاد في هذه المواد شمل تقريبا جميع أنحاء البلاد.

ومن هذا المنطلق، ليس من المستغرب أن اليمن على شفا مواجهة مجاعة وأن الأطباء المحليين يكافحون لوقف اجتياح وباء الكوليرا. وحتى منتصف يوليو/ تموز الماضي، توفي أكثر من 1790 شخصا بسبب المرض، ويشتبه فى إصابة 350 ألفا آخرين. وهذا يعني أن ما يقارب يمني من أصل 90 يمنيا مصاب بالكوليرا، وهو مرض بكتيري يصيب الأمعاء الدقيقة ويتسبب في القيء والإسهال.

في الوقت الراهن، تعتبر العاصمة صنعاء، ومدينة الحديدة الساحلية التي تطل على البحر الأحمر، وتعز من أكثر المناطق تضررا من تفشي هذا الوباء. وقد أفاد مندوبو اللجنة الدولية من أطباء وممرضين أنهم لم يتلقوا رواتبهم لحوالي 10 أشهر، على الرغم من أنهم يعملون على مدار الساعة لإنقاذ أكبر عدد ممكن من المصابين في مراكز علاج الكوليرا. في الواقع، لقد كنا شاهدين على أمهات وآباء يحملون أطفالهم الذين لا حول لهم ولا قوة إلى المرافق الصحية المكتظة بحثا عن العلاج. وفي حال لم يجدوا أسرّة خاوية، كانوا ينامون تحت الأسرة الشاغرة.

في الحقيقة، جعلت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحرب الأمور أسوأ، فقد أصبح المواطنون غير قادرين على تحمل الأسعار المرتفعة للمواد الغذائية والدواء وغيرها من المواد الضرورية. كما أدى عدم قدرة السلطات اليمنية على دفع رواتب الحكومة منذ الصيف الماضي إلى تدهور حاد في الخدمات العامة الحرجة، مما فاقم أزمة اليمن الإنسانية المأساوية أصلا.

فضلا عن ذلك، لا توفر الشبكة الكهربائية العامة الكهرباء، ونتيجة لذلك تقوم المولدات المحلية بتشغيل محطات ضخ المياه في البلد. وفي ظل كل ذلك، تراكمت القمامة في مدن اليمن، كما توقف نظام الصرف الصحي في صنعاء عن العمل منذ 17 من نيسان/ أبريل. عقب عشرة أيام من ذلك، انتشر وباء الكوليرا مثل النار في الهشيم.  وبتدهور البنى التحتية، نتج عن نشوب الحرب انهيار النظام الصحي في اليمن.

في تعز، أغلقت جل المراكز الصحية أبوابها ولم يبق سوى مستشفيين فقط يعملان من خلال طاقم طبي صامد يستطيع العمل على الرغم من الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، ونقص الإمدادات وانفجارات قذائف الهاون، التي تحدث في أماكن قريبة.

وعلى خلفية ذلك، ضاعفت اللجنة الدولية ميزانيتها المخصصة لليمن، ولكن لا تزال الموارد الإضافية تشكل جزءا ضئيلا من الاحتياجات. بالإضافة إلى ذلك، تم تكريس معظم هذه الزيادات لتعزيز الاستجابة الطبية. فقد سعينا بالفعل لتوفير طاقم جراحي لمنطقة الحديدة، كما سنرسل طاقم آخر إلى عدن في أقرب الآجال.

علاوة على ذلك، نحن نقدم الدعم لحوالي 17 مستشفًا وعيادات صحية في جميع أنحاء البلاد. في المقابل، تتمثل المشكلة المستعصية في أن وباء الكوليرا ينتشر بشكل أسرع من استجابتنا، إذ أن تواجدنا الميداني يتيح لنا تقديم الرعاية لشخص من كل خمسة أشخاص مصابين بهذا الوباء.

من ناحية أخرى، تتطلب إدارة تداعيات الأزمة المنتشرة في اليمن أكثر بكثير من الإعانات الإنسانية. لذلك، يجب على المقاتلين المشاركين في الحرب احترام وحماية المدنيين، واتخاذ التدابير اللازمة لتجنب إلحاق الضرر بالبنية التحتية الأساسية. كما يجب على جميع الدول، ولا سيما الدول التي تربطها علاقات مع المقاتلين، أن تستخدم نفوذها لضمان احترام أطراف النزاع لقواعد الحرب.

وحيال هذا الشأن، ينبغي إيجاد حل للخدمات العامة في اليمن. فلا يمكن للمستشفيات، وأنظمة المياه، وخدمات القمامة أن تعمل دون تخصيص ميزانية لها. من جانبها، قامت الأمم المتحدة مؤخرا بدفع رواتب الأطباء والعاملين الصحيين، بيد أن العديد من الموظفين الحكوميين الآخرين مازالت أجورهم غير مدفوعة بعد. وبالتالي، لا بد من إيجاد حل لهذه المعضلة، أو أن المعاناة ستزداد مع توقف الخدمات العامة بشكل تام في جميع أنحاء البلاد.

إن ما يجهله الكثيرون أن الوضع الرهيب في تعز هو مجرد مثال مبسط على كيفية تأثير هذه الحرب الوحشية على الضحايا المدنيين في اليمن. وقد يستغرق الأمر شهورا للحصول على الإمدادات الإنسانية إلى وجهتها، خاصة أن القوافل الإنسانية يمكن أن تمر بأكثر من 100 حاجز أثناء نقل البضائع من عدن إلى شمال اليمن والعكس بالعكس. وفي بلد يعتمد على الواردات الخارجية، يجب على جميع أطراف النزاع أن تعمل على نحو أفضل لتيسير تدفق السلع، وأن لا تجعلها أكثر صعوبة.

في الواقع، أصبح من الصعب على اليمن أن تصمد أكثر من ذلك وسط الأزمات المتتالية التي تمر بها، وفي خضم موجات الدمار التي تجتاحها. لذلك، ينبغي أن تبذل الأطراف المتنازعة، والدول الغنية، ووكالات الإغاثة كل ما في وسعهم لانتشال اليمن من هذه الأزمة، وإلا ستغرق في تسونامي من المآسي التي لا يمكن إيقافها.

*تحرير وترجمة نون بوست

 

لا توجد مقلات اخرى

لا توجد مقلات اخرى

الاخبار العاجلة
نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام الموقع ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، ولتحليل حركة الزيارات لدينا.. المزيد
موافق