ومنذ أربع سنوات لا يزال قاتل عزيزة وتفاحة وزينب حرا طليقا بل أنه ما يزال يقتل كل يوم من أبناء تعز ومن غيرها من المحافظات.
إلى أقامت عدد من نساء تعز وقفة رمزية اليوم في ساحة الحرية في تعز إحياء لذكرى الشهيدات.
ولعل كلمات الناشط متولي محمود تلخص ما جرى ذلك اليوم بشكل دقيق من شاهد كان حاضر في ساحة الجريمة حيث يقول:
عن جُمعة “شهيدات تعز”!!
=================
الزمن الجمعة (11-11-2011)، المكان ساحة الحرية. لم يكن التاريخ مميزا لوحده؛ كل ما في ذلك اليوم استثنائي ومثير للغاية. في مثل هذا اليوم، قبل 4 أعوام، خرجت تعز في جمعة “لا حصانة للقتلة”. القتلة وزبانيته الطائفيين الجُدد، الذين حصدوا أرواح اليمنيين على مدى العقود الماضية، ولا يزالون يقتلوننا، وإن تلبّسوا أشكالا جديدة.
في ذلك اليوم، عشتُ رعبا حقيقيا، لم أكن قد خبرته يوما. قبيل صلاة الجمعة، وصلت إلى الساحة، وأنا أسمع أزيز الرصاص وهي تنهال كالمطر، وأشاهد وقعها على البنايات المجاورة وعلى الطريق الإسفلتي. لم أكن لوحدي يومها، كانت الساحة تعج بالآلاف من الشجعان؛ كنت أشعر أنني الوحيد من بينهم من تمكن منه الخوف. نعم، كانوا شجعانا، وكُنّ أكثر شجاعة وصمودا.
لم أتخيل يومها أن أشاهد مصلى النساء مكتظة بهن. كُن بأعداد مهولة يُكبرن ويرددن الهتافات، وبعضهن اصطحبن أطفالهن. يا إلهي! هل هي الشجاعة، أم هو الإيمان بما خرجن في سبيله؟!
تدحرجت قليلا، مع بعض الشباب، باتجاه منصة الخطيب، والذي لم يكن قد صعد بعد. لاحظت فجأة أن الشاب الذي كان بجانبي قد سقط على الأرض؛ أصابته رصاصة في كاحله. ونحن نحاول إسعافه، شاهدت الدكتور القدير عبدالله الذيفاني قادم ويده تنزف. أصابه أحد القناصة المنتشرين على أسطح البنايات باتجاه مستشفى الثورة، بينما كان نازلا من سيارته لتأدية الصلاة. هرعت إليه بسرعة، فلم أستطع اللحاق به؛ إذ أخذه شابان بسيارتهما إلى المستشفى.
كان القتلة يظنون أن هذا الإرهاب سيجعل المتظاهرين يعودون أدراجهم؛ لكن هيهات. صعد الخطيب إلى المنصة، وبدأ بالخطاب. جُن جنونهم، وبدأوا يقصفون الساحة بالسلاح الثقيل. لم أكن قد سمعتُ يوما انفجار دانة على مقربة. إنها المرة الأولى التي يمتلكني فيها ذلك الرعب.
أثناء الخطبة، سقطت قذيفة مدوية على فندق المجيدي، حيثُ توجد أمامه مصلى النساء. كان الصوت مرعبا، أصوات النساء والأطفال لا يفارق ذاكرتي. أحدهم يصيح بأن هناك ضحايا. كنت مشدوها، حاولت الاقتراب من المكان، وإذا بي أشاهد نساء مضرجات بالدماء، وأخريات يستنجدن. كان الشباب يحملون المصابات بسجاجيدهن، حيث يحملونهن من الأطراف، وعرفت فيما بعد أن من تم إسعافهن قد فارقن الحياة.
رحمة ربي تغشى أرواحكن الطاهرات “تفاحة”، “ياسمين” و “زينب”. هانحن نسير على خطاكن، وهاهم القتلة لا يزالون يقتلوننا بحصاناتهم.. يقتلوننا بعد أن منحوا صكوك غفران لما تقدم وما تأخر. لطالما وعدنا أرواحكن أن نحاكم القتلة، وأن نسقط عنهم حصانة القتل المسبّقة، لكننا لم نوّفِ بوعودنا، ولم يتركونا وشأننا.
لا يزال القاتل يجتاح المُدن ويمارسُ غوايته كمصاص دماء، وقد حشد هذه المرة قطعان طائفية وسخة، تقتل لتتقرب بدمائنا؛ يحصدون الأرواح ليثبتون إخلاصهم كمأجورين للخارج. لا تزال جحافل المليشيات تمارسُ الفضائع، تقتل، تجوّع، وتحاصر.. كشفت عن أقبح وجه يمكن أن يتلبسه كائن إنساني.
السلام على أرواحكن يا شهيدات..
سلامٌ عليكن، والعشرات من رفيقاتكن يقضين بقذائف قاتلكن..
سلامٌ عليكن، وإخوانكن في المقاومة يبذلون الدماء لإكمال نضالكن، وترسيخ الدولة، والقصاص للشهداء..
سلامٌ عليكن، وأطفال تعز يرزحون تحت الحصار، يموتون عطشا، وهم يرددون بلا كلل هتافاتكن، وينشدون أغنية الخلود “وهبناك الدم الغالي.. وهل يغلى عليك دمُ!!”