ثار الأئمة ضد الحكم العثماني في اليمن في القرن العاشر الهجري، بسبب ما ادعوه ظلم الأتراك وأنهم غازٍ خارجي غزا اليمن، وأنهم سيوفرون لليمن الحكم الرشيد والعيش الرغيد والأمن والاستقرار، وألصقوا بهم كل تهمة وصلت حد التكفير وحشد الأدلة المختلفة على كفرهم باعتبارهم كفار تأويل وكفار إلزام، فما الذي حصل؟!
خرج الأتراك من اليمن الخروج الأول سنة 1045هـ بعد مائة عام من الحكم في اليمن، وتسلم الأئمة حكم اليمن في زمن المؤيد بن القاسم، ثم من بعده جاء من بعده أخوه المتوكل إسماعيل، فانهالت كل قبائح الدنيا من حكمهم على رؤوس اليمنيين؛ الأوبئة، والمجاعات، والظلم والإستبداد الأشد من ظلم واستبداد الأتراك، وكذلك التخلف والفقر والجهل والمرض.
في عهد المتوكل إسماعيل ثلاث مجاعات كبرى وأوبئة متعددة لم تعرف، فهل قام الأئمة بواجبهم تجاه تلك المجاعات؟!
الأنكى من كل ذلك أن كثيراً من المجاعات والفقر وترك اليمنيين بلادهم والهجرة إلى أصقاع الأرض بحثاً عن لقمة العيش الكريم والعيش الآمن والحرية سببت بسبب جبايات الأئمة المتراكمة التي كان كل إمام يفرض جبايات مختلفة على الرعية وخاصة في اليمن الأسفل، ويأتي بعد كل إمام ولاة يزيدون من تلك الجبايات والمطالب والمكوس أضعاف ما أتى به الأئمة، ثم يأتي إمام جديد لا يحط أو يخفف من تلك الإتاوات والمطالب بل يرفعها إلى الضعف حتى وصل بأحدهم القول: “لا تتركوا لهم الثلث والثلث كثير”!!
وفي الوقت الذي كان يموت الناس بالآلاف وتفنى بلاد بأكملها، كان الأئمة يعيشون أكثر من بذخ السلاطين، وشهد شاهد من أهلهم على مثل هذا، كما قال المؤرخ والعلامة يحيى بن الحسين بن القاسم عن الإمام المهدي أحمد بن الحسن الذي جاء بعد المتوكل:
“كان [الإمام المهدي] لا يهتم لأمر الرعية، وكان يعيش عيشة الترف والبذخ مسرفاً على نفسه في الجواري والسراري بحيث بلغن إلى سبعمائة ما بين سرية ووصيفة وخدامة لا يفارقهن في الحضر وفي السفر، وكان يلبسهن أغلا الملابس الغالية، ويشتري لهن الأحزمة والبريمات المفضضة المذهبة بأغلى الأثمان، وكانت سيرته سيرة السلطنة، فأما العلم فلم يكن له فيه معرفة”( ).
وكان هذا العالم والمؤرخ المنصف ينتقد ظلم وجور الأئمة على الرغم أن المتوكل عمه والمهدي هذا ابن عمه، وطالبهم بالعودة إلى ظلم الأتراك فإن ذلك عدل، فقال: “والعدل كان هو الواجب على هذه الدولة فإنهم يقولون إنهم ينهون عن المنكر والمظالم، فأقل حالة أن يردوا ذلك إلى ما كان زمن الأتراك، فإنه عدل كثير لو فعلوه، أو إلى ما كان أول دولتهم، وكان هذه الزيادات أكثرها من سنة سبعين وألف في المطالب وإلا فغنها كانت قبل أقل زادت على أول الدولة هذه بمثل النصف وزادت على دولة الأتراك مثل ثلاثة أرباع، والبلاء في هذه المظالم أنهم صاروا يرضون بمن يزيد في القبال ويتوهمون أن ذلك مصلحة لهم، ولا يعرفون أن الذي يزيد هو يزيد على الناس في المظلمة من هؤلاء المتقبلين والولاة؛ فلو كان حسموا جميع ذلك وأخذوا المطالب المعتادة في جميع اليمن الأعلى والأسفل ليحصل العدل ويزول الجور كان هو الواجب عليهم”( ).
جرعة هادي:
حينما قرر الرئيس هادي رفع سعر البنزين سنة 2014 إلى 4آلاف ريال، استغل الحوثيون وعلي صالح هذا الأمر وعملوا على إقامة (ثورة) ضد هذا الظلم وأسقطوا الدولة والعاصمة صنعاء، وقاموا بالحروب المختلفة على اليمنيين، وبدل أن يكون سعر الجالون من البنزين 4 آلاف باعوه في السوق السوداء ب20 ألفاً وأحياناً وصل إلى 40 ألفاً، ومثلما طالب الأولون بالعودة إلى ظلم الأتراك، طالب اليمنيون الآخِرِون بالعودة إلى (ظلم هادي) وسعر 4 آلاف ريال.
لم يكتف الإنقلابيون ببيع المشتقات النفطية في السووق السوداء والإثراء الرهيب من ورائها وإقامة الشركات العملاقة لهم، لا بل صادروا ممتلكات المواطنين بيوتهم عقاراتهم، وشركات استثمارية وتدمير اليمن في كل النواحي، فشملت حروبهم المختلفة الشجر والحجر، فهل يحق لنا اليوم المطالبة بالعودة إلى (ظلم هادي) قبل الانقلاب في 2014؟!
“الموقع بوست”