خبز الصدقة (الكدم)..!!

- ‎فيكتابات

كنت نحيفا جدا في صغري..وكان والدي حفظه الله ورعاه..يصرخ في وجهي ونحن على المائدة.. ويقول (كل مثل الناس.. أتغذى..شوف نفسك كيفك نحيف..هالك كمن ياكل خبز الصدقة) وسمعت منه هذه العبارة..مرات عديدة..وفي كل مرة يقولها لا تختلف فيها نبرته..تلك النبرة التي توحي بازدرئه لذلك الخبز .

كان والدي يقصد بخبز الصدقة (الكدم) وجميعنا يعرف (الكدم) وهو نوع من أنواع الخبز ..الذي يتناوله الجنود في المعسكرات..وللكدم في تعز خكاية وقصة.. ربما تكون مختلفة قليلا..فقد بدأت بمرسوم من الامام الطاغية( احمد يحى حميد الدين) يامر فيه.. باعتماد كميات من الكدم كصدقة للاسر الفقيرة..التي تسكن المساحة المحيطة. لقصورة واستراحاته في مدينة تعز القديمة..وحى الجحملية وصالة .

تلك اللقيمات حينها..لم تهلك الاجساد فقط ..وتعدم الصحة فيها..أنما سلبت المواطن اليمني كرامته..وحقه في العيش الكريم..وجعلت منه خادما لذلك الامام (الحاكم بالحق الالهي) خاضعا له ذليلا أمام ابواب قصوره ومتنزهاته..خصص الطاغية لقيمات لليمنيين كصدقة..فيما هو وزبانيته ينهبون كل مقدرات البلد..ويعيثون في الارض فسادا..فيما كان أغلب أبناء الشعب.. مسجلين في كشوفات خبز الصدقة التي يجود به السيد على أغلب اليمنيين.

وحتى بعد ثورة ال26من سبتمبر62م..أستمرت الكشوفات تقريبا الى منتصف ثمانينات القرن الماضي..مع الفارق بان من يستلمها..لم يكونوا معدمين..كما كان أسلافهم قبل الثورة..كانوا يحظون بكثير من الاهتمام..ويحصلون على حقوق المواطنة كالتعليم والصحة وغيرها من الخدمات الاساسية المتوفرة.

اليوم يعود خبز (الصدقة ) من جديد مع عودة الامامة..بكل تفاصيلها القديمة..الى صنعاء..فنجد مخابز وأفران (الكدم) تنتشر تحت أشراف جماعة أمام(مران) في كثير من الاحياء..وتعود مع تلك المخابز كشوفات الصدقة التي يعتمدها..أعضاء جماعة الامام الجديد..في العاصمة صنعاء .

كشوفات الصدقة المعتمدة..في مخابز السيد تحتوي على أسماء لمواطنيين..من كل الفئات(جنود..ضباط..مهندسين..أطباء..عمال..معلمين) وغيرهم ممن نهبت المليشيات الانقلابية مرتباتهم..وسرقت قوتهم وقوت اطفالهم..وأضافة الى أسلوب الصدقة..الذي ورثه عن جده..فقد حدث الامام (الحداثي) من أساليب الصدقة..وتحديثه جاء على شاكلة كروت للتغذية..لا تغني ولا تسمن من جوع..تصرف لموظفي مؤسسات الدولة المختلفة.

أبتكر طريقة الكروت التغذية ومن تلك المخابز ..وكشوفات (الصدقة) تتجلى أمامنا في أبشع صورة..يجسدها على الواقع..هذا الفكر الكهنوتي المتسلط البغيض..الذي صادر كل حقوق أبناء الشعب..الا الحق في الحياة(بيولوجيا) فقط..لانه ان مات اليمنيون من الجوع..فلن يجد الامام الجديد شعبا يحكمه..ويذله ويتصدق عليه بلقيمات مايزال أسمها (الكدم) تسد رمقه وتحفظ حياته.