بعين واحدة فقط، أًصبحت الطفلة جنات عماد عبدالله، تبصر العالم كله من خلالها، بعد أن فقدت عينها الأخرى إثر طلق ناري أيقظها من نومها، وترك أثره على وجهها للأبد، وباغت أحلامها التي ستكبر كلما كبرت لتصطدم بواقع لا يشبه عالمها الذي ما زال ورديا حتى الآن فقط. لم تكن جنات في جبهة قتال، ولا حتى خارج المنزل، فالموت المجاني توزعه جماعة الحوثي وصالح الانقلابية على أطفال تعز بدلا من الحلوى، وبشكل دائم تتساقط الرصاص والشظايا على أبناء مدينة تعز.
تذكرنا مواقع التواصل الاجتماعي بصورة الطفلة جنات التي تم تداولها وعلى نطاق واسع، وهي مضرجة بالدماء التي أحالت لون فستانها البرتقالي إلى الأحمر.
الطبيب المناوب في قسم الطوارئ بمستشفى الروضة بتعز، والذي استقبل “جنات”، ما يزال يتذكر جيدا تاريخ إصابتها (18 أغسطس/آب 2016)، فهو من التقط صورتها، كما اعتاد أن يوثق الكثير من تلك الجرائم. وحين سألناه عن مصيرها، قال إن طبيب العيون حين وصلت إلى المستشفى قرر لها تركيب فص بدلا عن عينها التي فقدتها، لكنه لا يعلم عنها شيئا الآن.
ويذكر بنبرة حزينة خال الطفلة أحمد ناجي، أن جنات “عوراء”، وتابع: في ذلك اليوم كان هناك أصوات أسلحة مختلفة قادمة من بعيد، وتفاجأنا بصراخ ابنة أختي التي تسكن في جولة سنان، ليتضح لنا بعد ذلك أنها رصاصة غادرة قضت أحلام طفلتنا وهي في الهندول (سرير مخصص للأطفال)، الذي يعد مصدر سلام وبهجة لتلك الطفلة.
يؤكد ناجي أنه تم نقل جنات إلى مستشفى الصفوة، لكن تم تحويلها إلى مستشفى الروضة، وبقيت في قسم الرقود لمدة أسبوع، وعادت إلى المنزل والحزن يملأ قلبا والداها، الذين لا يستطيعون تقديم أي شيء لها يعوضها عن ما فقدته.
لم تكتمل قصة المأساة عند ذلك التاريخ، فجنات التي لم تكمل عامها الثاني بعد، كان من المتوقع أن تخضع لعملية جراحية، لكن ذلك لم يحدث، فوالد الطفلة جنات كما يروي لـ”المشاهد” ناجي لم يتمكن من إدخالها المستشفى مرة أخرى لعدم قدرته على تحمل تكاليف ذلك. تسكن اسرة جنات جوار مدرسة الصديق القريبة من جولة سنان فى منطقة عصيفرة بتعز وتعيش أسرة جنات في ظل ظروف صعبة للغاية، فوالدها يعمل في جمع قوارير المياه الفارغة والمواد البلاستيكية من الشوارع، ويقوم ببيعها ليتمكن من إطعام أسرته الصغيرة المكونة من طفلين وزوجته.
ويأمل ناجي أن يتم مد يد العون لتلك الطفلة، وزراعة فص لجنات بدلا من عينها التي فقدتها، ولعلاج عينها الأخرى التي تضررت الشبكية فيها وفقدت معها جنات بعض نظرها فيها.
مستقبل غامض ينتظر جنات، التي سيذكرها الفص الذي سيقومون بتركيبه في عينها بالحادثة التي لن تتذكرها، لكنها ستشاهد أثرها، وستتألم كلما عجزت عن رؤية ما تريد كما ينبغي.
(المشاهد)