بعد انتهاء مراسم تشييع الإمام أحمد في صنعاء يوم الخميس 20 سبتمبر توافد على صنعاء من تعز بقية الحاشية ورجال دولته المعروفون، وفي مقدمتهم الشباب من أفراد الأسرة الحاكمة، وأحاطوا بالإمام الجديد إحاطة السوار بالمعصم، وأبعدوا عنه العقلاء والناصحين، حتى أنصار عمه الحسن التفوا حوله وحرضوه على إظهار الشدة والقسوة في كلامه وخطاباته، لذلك عندما كان يوم الجمعة 21 سبتمبر، وهو يوم البيعة الكبرى للبدر من قبل الشعب؛ حيث فتحت أبواب القصر على مصاريعها ، وأتى الناس بجموع كبيرة يبايعون الإمام البدر إماماً وملكاً على اليمن – كما قال القاضي الإرياني في مذكراته.
وبعد صلاة الجمعة في الجامع الكبير بصنعاء قام الإمام الجديد (محمد البدر) وألقى خطبة نارية، استمع لها الشعب عبر الإذاعة، وهي التي كشفت البدر على حقيقته، وعرّته أمام من كان يؤمل فيه، ويتردد في الثورة عليه – كما ذكر ذلك السلال في (وثائق أولى عن الثورة اليمنية) – فقد قال فيها بعد أن هدد وتوعد ((بأنه سيسير بابالشعب سيرةَ أبيه وجده والأئمة من قبل)).
كان الملتفون حول البدر قد أقنعوه باستدعاء عمه (الحسن) من الخارج وتعيينه نائباً له، فوافق البدر على ذلك، كان مما قاله البدر لعمه الحسن في برقيته (( تأملوا جيدا ان الغي لقب نائب في عموم اليمن وتحملون لقب نائب الإمام انتم فقط وتتولون لواء الشام ( صعدة ) وما سنرىانضمامه إليه. وسيكون الاتصال بالإمام فقط ولا سلطة هناك غير سلطة الإمام وانتم. وأهمية هذا وترجيحه عندي لحاجتنا أولا أن نكون في جهتين متباعدتين لا في مدينة واحدة. حتى لا تسهل اللقمة لا قدر الله . والثاني أن يكون كل منا رد للآخر من مركز القوي. والثالث إعادة التراث من حب الآل إلى نفوس الإخوان هناك )) وقد أورد نص برقية البدر لعمه الحسن وكذلك برقية الحسن إلى البدر القاضي الإرياني في الجزء الأول من مذكراته. .كل هذا دفع بالثوار إلى الإسراع بالحركة قبل أن يكتمل نصاب الأسرة بمجيء الحسن، ولو جاء الحسن لتربع على عرش اليمن بكل سهولة، فقد كان معظم من التفوا حول البدر هم من حاشية الحسن وأنصاره، ويضاف لهم من كانوا في حاشية الإمام أحمد.
والحسن شخصية متسلطة جامدة مقارنةً بالبدر…
وكان البدر قد بعث برقيةً إلى عمه الحسن ينعي إليه الإمام، ويخبره بتوليه الإمامة ومبايعة العلماء وأهل الحل والعقد له، ويطلب منه البيعة. وقد تأخر الرد على البرقية، مما أدخل القلق في نفوس أصحاب البدر، وكانوا يخافون أن يجد الحسن عونا من الملك سعود الذي كان يميل إلى الحسن أكثر من ميله إلى البدر، فقد كان يسمي البدر (الأمير الأحمر) منذ قام بزيارة الاتحاد السوفيتي – كما ذكر الإرياني في مذكراته – ومع مجيء الرد من الحسن حصل الارتياح بعض الشيء، رَغم أنه قد لوحظ أن الأمير الحسن قد وجّه برقيته إلى (ملك اليمن المعظم) ولم يقل (أمير المؤمنين أو إمام اليمن) كما هي التقاليد المتبعة، وهذا – من وجهة نظر الكثير – دليلٌ على أن الحسن لا يرى أن البدر أهلٌ للإمامة أو لقب أمير المؤمنين لعدم حيازته للشروط.
الحكومة بدورها قامت باستعراض البيان الذي وجهه البدر والبرقيات التي أعدت لترسل للرؤساء والملوك، وكان كل ذلك من إعداد السيدين (حسن ابراهيم وعبد الرحمن عبد الصمد) كما ذكر ( الإرياني) الذي لاحظ أن البرقية التي أعدت لترسل إلى الملك سعود تعطي معنى الاستجداء والتبعية له من قبل البدر وتقديم الولاء، بينما البرقية التي إلى الرئيس عبد الناصر عادية جدا، فتقدم القاضي الإرياني باقتراحٍ حول ذلك. ما هذا الاقتراح؟ وكيف كان رد فعل الإمام البدر عليه؟ هذا ما سوف نعرفه يوم غدٍ – إن شاء الله – في الحلقة الثالثة من الطريق إلى 26 سبتمبر العظيم #كمال_البعداني