الإمارات تستنفر وكلاءها في اليمن لإجهاض دمج الوحدات العسكرية

- ‎فيأخبار اليمن
لم تكد تمر ساعات على تصريحات أطلقها رئيس الحكومة اليمنية الشرعية، أحمد عبيد بن دغر، أخيراً، وتحدّث فيها عن توجه لدمج الوحدات العسكرية والأمنية التي نشأت في السنوات الأخيرة، حتى استنفرت الإمارات، المحسوبين عليها، للتصدي لفكرة دمج الوحدات العسكرية.
 

وبالرغم من أن بن دغر عاد ليوضح، في اليوم التالي، أن المقصود بحديثه ليس استقدام قوات من شمال البلاد، بل دمج القوات التي تشكلت في المحافظات المحررة وفق طابع مناطقي، إلا أن قيادات وناشطين سياسيين جنوبيين تناولوا حديث رئيس الحكومة من الزاوية الأولى، مستغلين حساسية الشارع تجاه القوات الشمالية التي كانت مرابطة في الجنوب قبل الحرب التي اندلعت بعد اجتياح الحوثيين لصنعاء، ومن ثم تمددهم إلى باقي المحافظات بالتحالف مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.

القيادي الجنوبي السلفي هاني بن بريك، الذي يعد أبرز الشخصيات المقربة من أبوظبي، والذي يشغل منصب نائب رئيس ما يُسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، لم يتردد في القول عبر تويتر، “أخرجنا الجيش الشمالي بدماء طاهرة، ووصلنا أرضه، ونطهر أرضنا من خلاياه الداعشية، فلا يستفزّنّ أحد مَن قدم الشهداء والجرحى، فنحن مستعدون أن نعيد الكرّة”.

وأضاف “نعتبر كلام بن دغر في إعادة قوات شمالية للجنوب تهديداً مباشراً للجنوب وأهله، ونحذّر من مغبة هذا التصريح المستفز، وعلى التحالف تدارك الأمر”، في تهديد واضح لأي توجه من هذا النوع.

ويُعد بن بريك، من أبرز النافذين على ما يُعرف بـ”قوات الحزام الأمني”، التي تأسست في عدن ومحيطها، خلال العامين الأخيرين، بدعم من الإمارات.

وسبق أن اتُهمت هذه القوات، العام الماضي، بحملات استهدفت إخراج منحدرين من المحافظات الشمالية من عدن.

وقال بن بريك، في سياق رده على تصريحات رئيس الحكومة، “ليس معنا في الجنوب قوات مناطقية، ومن يردد هذا يريد خلق الفتنة، الحزام الأمني رأس قيادته من كل الجنوب، وفي مقدمتها عدن”.

من جهته، لم يفوت القيادي في الحراك الجنوبي، عمر بن فريد، الفرصة للهجوم على رئيس الوزراء بقوله إن بن دغر تجاوز حدود التهريج وتحول فعلاً إلى “حصان طروادة” الذي ستدخل منه وخلاله (قوات الاحتلال) إلى الجنوب مرة أخرى.الحزم مع هذا المخلوق أمر حتمي، على حد وصفه.

وتابع بن فريد، في تغريدات له على حسابه في تويتر “لا أعتقد أن تجاوزات بن دغر تجاه الجنوب في مختلف المناسبات صدفة، بقدر ما هي متعمدة وذات أهداف سياسية يسير على نهجها”. واتهم بن فريد رئيس الحكومة بالإساءة للجنوبيين بشكل عام واستفزازهم وإذكاء رائحة المناطقية، حسب قوله.

ومن بين مهاجمي بن دغر، برز أيضاً نائب الرئيس السابق، خالد بحاح، واصفاً التصريحات الرسمية بـ”النزقة”، وأن دعوة دمج قوات غير مرغوبة ربما تسرع بالإعلان عن “المجلس العسكري الجنوبي”، وهروب ما تبقى من شرعية “مهترئة”، حسب وصفه.

أما المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، سالم ثابت، فلم يجد حرجاً في تهديد الحكومة الشرعية بقوله “لن نسمح بعودة قوى عسكرية (معادية) للتخندق تحت عنوان الشرعية في أي منطقة جنوبية، لأن ذلك لا يعني سوى تسليم الجنوب وإخضاعه للقوى التي تخلّص من هيمنتها العسكرية”.

وأعلن ثابت رفض المجلس أي عودة لوحدات شمالية عسكرية إلى عدن والجنوب عامة، وأي خطوات في هذا الاتجاه ستتم مواجهتها، مطالبا الحكومة بأن تكف عن ما وصفه بـ”استفزاز الجنوبيين” بتصريحات تقفز على الواقع ومتغيراته على الأرض.

وفيما تستنفر أبوظبي رجالها في الجنوب لرفض التوجه الحكومي لدمج الوحدات العسكرية، تبرز أصوات أخرى مؤيدة للفكرة. يقول القيادي في المقاومة الجنوبية سابقاً، علي الأحمدي، “إن نفي المناطقية عن التشكيلات الأمنية المختلفة في الجنوب لا يمكن أن يغير شيئاً من هذه الحقيقة، ولن يقود إلى حل يمكن أن ينزع فتيل التوتر الموجود”.

ويلفت الأحمدي، في منشور على حسابه في فيسبوك، إلى أن “الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى لإيجاد الحل، ولا يعني ورود أي حل ممن نختلف معه أو لا نحبه أن هذا الأمر يُرفض بالكلية ويُهاجم صاحبه ويُخوّن”.

وأكد أن دمج هذه التشكيلات تحت جهة أمنية موحدة وتحت مؤسسات وأجهزة تخضع للدولة مباشرة، هو مطلب لكل من يفكر في مصلحة الجنوب.

ويعد ملف الوحدات الأمنية أحد أبرز الملفات التي تتمتع بدرجة من الحساسية، خصوصاً بعد أن تم التأسيس المناطقي لقوات عسكرية وأمنية، على نحو يهدد وحدة البلاد، من جهة، كما يزرع بذور صراع محتمل في إطار المناطق نفسها من جهة ثانية.

وتؤكد مصادر محلية في عدن، في حديث مع “العربي الجديد”، أن القوات العسكرية والأمنية التي تأسست حديثاً، خلال العامين الماضيين، في المحافظات الجنوبية والشرقية، عبر التحالف العربي وبإشراف إماراتي، تمثل تكوينات مناطقية وانتماءات متعددة.

وبالإضافة إلى أنها تتكون من “جنوبيين” فقط، فإنها تعبر عن مناطقية داخل الجنوب نفسه، إذ تحولت مجموعات من المسلحين الذين واجهوا الحوثيين تحت مسمى “المقاومة” إلى جانب العسكريين والأمنيين المنحازين للشرعية ومجندين، إلى وحدات عسكرية وأمنية، تعبّر في الغالب عن مناطق بعينها داخل الجنوب.

قوات “الحماية الرئاسية”، على سبيل المثال، أغلب المنتمين لها من محافظة أبين، في حين أن هناك مكونات في الأمن والألوية العسكرية يتحدّر أغلب المنتمين لها من محافظة الضالع، مثل معظم منتسبي لواء جبل حديد في مدينة عدن. كما يخضع أمن عدن لقيادات من الضالع التي ينحدر منها محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي.

وتشهد مدينة عدن، بين حين وآخر، احتكاكاً بين هذه الفصائل، ما يتسبب في إقلاق الأمن بالمدينة. وفي هذا السياق، قال بن دغر، في بيانه التوضيحي بعد صدور ردود الفعل، إن “قرارنا واضح، وهو قرار دمج الوحدات العسكرية والأمنية التي تشكلت في المناطق المحررة في ظروف معينة، وعلى أساس مناطقي واضح.

وكما تعرفون ويعرف القاصي والداني أي مستوى حاد من الخلافات قد بلغ الأمر بهذه الوحدات، لولا حكمة الرئيس وتعاون الأشقاء في التحالف”، في إشارة واضحة إلى الخلافات التي شهدتها عدن بين الموالين للرئيس هادي من جهة والموالين لقيادات الحراك الجنوبي ، بما فيها محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، وحلفاء الإمارات عموماً، من جهة أخرى.

وكان واضحاً حرص بن دغر على التأكيد، في بيانه، أن القرار الذي يتحدث عنه “يهدف إلى بناء وحدات تتكون من أفراد لا ينتمون إلى منطقة محررة بعينها، بل إلى كل المناطق المحررة؛ وحدات لا تحكمها عصبية مناطقية أو سياسية، وذلك هو الأساس في تكوين كل جيوش العالم والمؤسسات الأمنية”.

وكان من أبرز ما كشفه توضيح بن دغر، هو الحديث عن أن “الدمج” أصبح قراراً لم يخضع لـ”مزاج فرد، أو حتى هيئة بذاتها، بل جرى حديث مطول فيه، منذ عامين تقريباً، بين الرئاسة والحكومة وقادة القوات المسلحة والأمن”، وأن “لدى الجميع قناعة تامة بهذا القرار”، وأن “يتم تطبيقه بهدف رئيس هو رفع مستوى الإعداد والتكوين والتأهيل في مواجهة العدو وهزيمته”.

وتبرز تساؤلات عدة مرتبطة بالحكومة للقيام بهذه الخطوة، خصوصاً في ظل الظروف التي تمر بها المحافظات المحررة، ويأتي في مقدمتها أين سيقف التحالف العربي الذي تدخّل تحت غطاء الشرعية من هذا التوجه، إضافة إلى مدى قدرة الحكومة على تنفيذ مثل هذه الخطوة بالنظر إلى حضورها الهش في المناطق المحررة.

ويرى مراقبون أن الحكومة الشرعية ربما تهدف من هذا التصريح إلى اختبار ردود الفعل والتمهيد لخطوة ربما تكون بعيدة المدى، خصوصاً أن تحركاتها باتت مرهونة بالوضع الأمني الذي تتحكم فيه وحدات تشرف عليها الإمارات التي تبدو علاقتها بالرئيس وأطراف في الحكومة غير طبيعية.

يبقى أن توجهاً كهذا يعني، إن تم، إعادة توحيد اليمن عسكرياً، بعد أن تسببت الحرب وسياسات التحالف، بواجهة قيادة إماراتية في جنوب اليمن، في جعل الواقع مهيأً للانفصال إلى حد كبير، إذ إن القوات التي تأسست من خصوم الحوثيين والأطراف الموالية للتحالف في مناطق الجنوب، تتألف من جنوبيين بشكل شبه كلي، وباتت هي المسيطر على عدن ومحيطها من المحافظات.

ويبقى التفسير لتصريحات بن دغر، على أنها في إطار يمني، ضعيفاً على أرض الواقع، فتأسيس قوات جنوبية وجعلها مسيطراً وحيداً (باستثناء بقايا أجزاء من حضرموت)، لم يأتِ من فراغ، في نظر عديدين، فضلاً عن كون المزاج الحاصل يميل إلى الانفصال، وصولاً إلى وضع الشمال المعقد، والمنقسم بين الحوثيين وصالح ومركزهم في صنعاء وبين القوات الموالية للشرعية، ومركزها مأرب.

وفي السياق، يأتي التفسير الآخر، الأقرب إلى الواقع، والذي يعززه توضيح بن دغر، وهو أن “الدمج”، على الأقل بصورة مرحلية، يعني “الجنوب”، بـ”دمج”، الوحدات والتكوينات العسكرية التي تأسست بولاءات مناطقية (الضالع، أبين، وحتى حضرموت).

ويقول المحلل السياسي، فؤاد مسعد، إن توحيد المؤسسة العسكرية مطلب شعبي ملحّ، ولا بد أن تبنى الحكومة التكوينات العسكرية والأمنية وفقاً لمعايير وطنية، بعيداً عن المناطقية والقبلية والعشائرية التي دمرت مقدرات البلد، ولا يزال اليمن يدفع ثمن تشكيل جيش المخلوع صالح حسب معايير الولاء الشخصي والقرابة والعصبية القبلية والمناطقية والمذهبية. ويضيف مسعد، في حديث مع “العربي الجديد”، أن حديث رئيس الوزراء يأتي في سياق تأكيد دور الحكومة في توحيد الجيش وتجاوز حالة التشكيلات التي ظهرت بشكل أقرب إلى المناطقية، وهو ما يطالب به المجتمع.

ويتوقع مسعد أن تواجه الحكومة كثيراً من العراقيل والمعوقات إذا ما باشرت تنفيذ هذا الإجراء، لافتاً إلى أن التحالف العربي ملزم بدعم الحكومة اليمنية لبناء جيش وطني قوي يدين بالولاء للقيادة السياسية والعسكرية، بعيدا عن الارتباطات العشائرية والمذهبية.

من جهته، يرى الكاتب السياسي أمجد خشافة، أن تصريح بن دغر حول دمج الوحدات العسكرية لا يمكن فصله عن سياق الأزمة التي تعاني منها القوات الأمنية والعسكرية في المناطق المحررة، لاسيما الجنوبية منها.

وقال خشافة، في حديث مع “العربي الجديد”، إن تصريحات بن دغر جاءت لأن هناك كتلا أمنية وعسكرية في المناطق الجنوبية بُنيت بطريقة أشبه بالمناطقية، نتيجة للحالة الطارئة التي شهدتها تلك المناطق عقب تحريرها من مسلحي الحوثي وصالح.

ويلفت إلى أن قوات الحزام الأمني وقوات النخبة لا تعبر عن قوة عسكرية تتبع مؤسسات الدولة تأتمر بأوامر الحكومة الشرعية، وهذا ما يشكل فشلا للحكومة الشرعية بعدم قدرتها على إدارة المؤسسة العسكرية والأمنية في المناطق المحررة.

وعن موقف التحالف من خطوة كهذه، ينوه الكاتب إلى أن التحالف العربي هو من قام بدعم الجيش وفقاً لتكتلات جغرافية، أشبه بقطاعات منفصلة، فكل محافظة أثناء مهمة تحريرها تشكلت نواة الجيش فيها من أبناء المحافظة نفسها. ويتابع “بعض الدول المشاركة في التحالف قد تقف ضد دمج أي تشكيلات مثل الحزام الأمني وقوات النخبة في الجنوب تحت مؤسسات الدولة الشرعية، وهذا سيجعل وضع الحكومة الأمني في الجنوب رهينة بيد هذه التشكيلات العسكرية وليس لقرارها السيادي”.