علَّمُوكم أبجديات الآدمية ، ومعنى الإنسانية ، ومفردات الهوية الوطنية ، وأساسيات الدين والتدين …
وعلموكم كيف تغسلون أيديكم ووجوهكم وأرجلكم ومخارج فضلاتكم …
وكان الواحد أو الواحدة منهم يخرج المناديل من حقيبته ليضعها بين أيديكم ليعودوكم على إزالة الأوساخ والقاذورات والأتربة من مخارج أفواهكم وأعينكم وآذانكم وأنوفكم …
علموكم الوقوف والجلوس والسير الصحيح والإمساك بالقلم والدفتر والكتاب والمسطرة والفرجار والميكرفون ،ودربوكم على النطق والحديث والقراءة والكتابة والتخاطب …وبفضلهم أصبح منكم اليوم الرئيس والوزير والطبيب والمهندس والقائد والصانع ورجل الأعمال والفقيه والسياسي والمنظر …
وبجهودهم صار منكم من هو على مستوى عال من القدرة واللباقة والبلاغة والفصاحة …
هؤلاء المعلمون والمعلمات هم الذين أخرجوكم إلى الوجود جيلاً بعد جيل …
ويجدون من بينكم اليوم من أصبح على مستوى من الغرور الذي يمنحهم الجرأة على الاعتقاد بأنهم سيعلمون معلميهم ومعلماتهم معنى الدين ومعنى الوطن ..؟!
إنه الغرور والقبح والجنون ..
المعلمون والمعلمات الذين أكملوا ثلاثة أعوام دراسية تحت القصف والنيران والحصار والخوف والموت والجنون ، وقصفتهم طائرات العدوان وهم في المدارس يعلمون ، وقتلت منهم العشرات وهم يعدون لكم ولأبنائكم خطط وأوراق الامتحانات في مقر نقابتهم بمحافظة عمران ، وطالتهم قذائف المواجهات وهم يدرسون في عدن وحضرموت وشبوة ، وتحدوا الصواريخ والقذائف والمفخخات وهم يؤدون الامتحانات في أبين وصنعاء وإب والجوف والضالع وتعز والحديدة وذمار وصعدة والمحويت ومارب وكل اليمن …
ويجدون بين صفوفكم اليوم من يتهمهم بالخيانة والعمالة والتهم العوجاء ..؟!
إنها الوقاحة التي ما بعدها وقاحة …؟!
المعلمون هم الذين قالوا لكم أن العدو يريد أن يفسد علينا حياتنا إن لم يقتلنا ، فعلموكم وعلموا أبناءكم وبناتكم معنى الصمود والمواجهة والتحدي والثبات ، والإصرار على مواصلة الحياة بكل تفاصيلها – وليس فقط مواصلة الدراسة – تحت أي ظرف ومهما كانت المعوقات …
ويجدون بين صفوفكم اليوم من يسميهم دواعش وطابور خامس ومرتزقة ومرجفون ..؟
من أين أتيتم بكل هذا القبح وهذا البهتان وهذا الزيف وهذه الأخلاق التي لا يمكن أن تكون أخلاق يمنيين ، ولا حتى أخلاق آدميين ..؟!
المعلمون الذين عملوا عاما كاملا بلا مرتبات ، وباعوا ممتلكاتهم وأثاث بيوتهم ، واستدانوا ، وتشردوا من منازلهم ، واستبد بهم الفقر والجوع والعوز هم وأسرهم ، وذاقوا مرارة الحاجة ..
وحينما رفعوا أصواتهم مطالبين بأبسط حق يسد رمقهم ويعينهم على الحياة ومواصلة العطاء والنضال ، ويحفظ لهم ما بقي من كرامة ، يتصدى لهم الشتام والمزايد والمنظر والفاشل والفاسد والمتبحبح في رغد العيش والمتطاول ، ليوزعوا عليهم تهم التقصير والمخالفة والخيانة والعمالة والارتزاق …؟
من أي قاموس جهل وجحود ونكران تأتون بهذه القيم السوداء المقيتة ، التي تلقي بكم إلى عهود ما قبل الآدمية بترليونات العقود …؟!
تتهمونهم بممارسة العمل السياسي …؟
وأنتم تعلمون أن العمل السياسي الوطني النظيف الذي مارسوه بشرف ووطنية هو أنهم فرضوا شرعية الوطن والمؤسسات حينما فتحوا 20 ألف مدرسة تحت القصف والنار وفي ظل المواجهات والاشتباكات والعمليات الإرهابية .. فتحوا المؤسسات التعليمية ليبثوا الحياة ، وليقولوا للعالم كله : هنا الشرعية وهنا الحياة ، وهنا اليمن ، وهنا النشيد الوطني كل صباح ، وهنا علم الجمهورية اليمنية يرفرف فوق كل سارية في كل مدرسة …
بينما ممارساتكم أنتم يا من تعتبرون أنفسكم أساطين السياسة مليئة بالكيد والدس والغباء ، وعجزتم عن أن توجدوا جبهة سياسية أو فريق دبلوماسي أو لجنة حقوقية أو فريق تواصل وعلاقات يتحرك في المحافل الدولية لينفض عن ملف اليمن غبار الزيف الذي يلقي به الأعداء لدفن قضية اليمن ومظلمة اليمنيين .. بل لم تستطع سياساتكم أن توحد حتى الخطاب الإعلامي الموجه للداخل والخارج لمواجهة العدوان وتعزيز الجبهة الداخلية ..
تتهمونهم بالعمل الحزبي والمؤامرة على الحكومة والبلاد …؟
وهم الذين حشدوا لكم الملايين من الرجال والنساء والطلاب إلى ميدان الميادين والساحات، ليباركوا اتفاقكم السياسي وشراكتكم الوطنية ، على أمل أن تكون هذه الشراكة لمواجهة العدوان ولإدارة البلاد ، ولحماية المؤسسات التي لم تحموها للأسف .. بل إنها لم تسلم من سباقكم المحموم وصراعاتكم المقيتة على المصالح والمناصب والكراسي والمكاسب …
تتهمونهم بالكيد وشق الصف وخلخلة الجبهة الداخلية وعمل الطابور الخامس .. ؟
وهم الذين ينتظمون كل صباح في طابور مدرسي وطني ، ينشرون الوعي والطمأنينة ، ويبثون روح الحياة ، ويدعون إلى لملمة الصفوف وتلاحم القوى لمواجهة الشر المستطير الذي يتهدد بلادنا ووجودنا .. بينما كبراءكم وقادتكم ومنظريكم ووسائل إعلامكم تبث الشقاق ومفردات الفرقة .. وتعمل ليل نهار على التعبئة والشحن الأهوج الذي يجعل من الصف الوطني نصعاً لكل متعلم يريد أن يتعلم النصع …
المعلمون والمعلمات – يا هؤلاء – هم جبهة الصمود الأولى ، وهم موجودون في كل الجبهات ، ويساندون كل الجبهات ، ولديهم تقييم لكل جبهات الوطن التي تعمل بتضامن كامل لمواجهة العدوان ، إلاَّ جبهتكم أنتم أيها السياسيون المتحزبون ، جبهتكم الأولى المتمثلة في المجلس السياسي والحكومة هي أسوأ الجبهات أداء ، وأكثر الجبهات تأثيراً سلبيا على كل الجبهات ..
المعلمون والمعلمات – يا هؤلاء – وصلوا إلى حالة العجز عن الاستمرار في التدريس والوصول إلى مدارسهم ، ويطالبونكم بحقهم الأول ( المرتب ) الذي يرتبط بأهم حق مكفول في شرائع السماء وتشريعات الأرض هو ( حق الحياة ) ، وإذا بكم تخلطون بين الحق والباطل ، وتنهالون على معلميكم ومعلمي أبنائكم بكل هذه التهم ، وكل هذه التهديدات ، وكل هذا التهويل ، وكل هذه العدائية …؟
أفٍّ لمجتمع يسمح لسفهائه أن يتطاولوا على معلميه ويحطون من قدره …
إن ممارستهم لحقهم في النضال السلمي الحضاري لانتزاع حقوقهم بالإضراب أو بأية إجراءات ، هي ممارسة مكفولة بالدستور والقوانين ، وليس شأنهم إن كان هناك من يجهل هذا الحق ، أو يجهل الفرق بين الحق والباطل ، وعلى المجلس السياسي والحكومة والبرلمان كهيئات معنية ومسئولة أن يبحثوا عن حلول عاجلة لمأساة المدرسين ..
كما أن عليهم وعلى كل الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية أن يتصدوا لهذه الثقافة المجنونة التي تنال من المعلم ، وهذه التعبئة العدائية الموجهة ضده ، وهذا التطرف والتصعيد والجنون الذي يعطيهم الحق في أن يضربوا ألف مرة حتى يقف المجتمع إلى جانبهم ويتولى تأديب من يتطاول عليهم ويخوِّنهم ويوزع عليهم التهم والصفات والأوصاف اللا قيمية …
سأقف مع المعلمين لانتزاع حقهم ، وسأتضامن معهم في تعليم من لا يعلم ما هو الحق وما هو الباطل ، وسأدعو كل المعلمين والمعلمات وكل الآباء والأمهات إلى التضامن مع معلمي ومعلمات أبنائهم وبناتهم إن كانوا يحبون اأبناءهم وبناتهم فعلاً …
وسأدعو الجميع إلى أن يعتبروا الموقف الذي يتخذه المعلمون والمعلمات اليوم في نضالهم المشروع لانتزاع حقوقهم حصة دراسية مهمة ، نتعلم منها جميعا كيف ندافع عن حقوقنا بالطرق السلمية المكفولة في شرائع الله وتشريعات عباد الله ، ولا عزاء للجهلة ومن يريدون تعميم جهالتهم على حاضرنا ومستقبلنا …
مرتبات المعلمين حق ، ومطالبتهم بها حق ، والإضراب حق ، واحترام المعلمين وتقدير مكانتهم حق ، وتأديب المتطاولين عليهم حق ، مثلما الله حق .
ومن ينكر هذه الحقوق فهو الباطل المبطل والضال المضل ، وهو العدو الأول لليمن واليمنيين والحاضر والمستقبل .
أما أنتم أيها المعلمون والمعلمات ، أيها التربويون والتربويات في كل أرجاء اليمن ، فلكم كل الحب والتقدير والاحترام ، ولن يحط من قدركم ومكانتكم ومقاماتكم تصرف أحمق أو قول أخرق .
وقبلة على رؤوسكم جميعا ، في كل وقت وحين .
صنعاء 5 أكتوبر 2017 م
ــــــــــــــ
* من صفحة الكاتب على الفيس بوك