سيطرت مشاهد الاعتقالات والانتشار المكثّف للمسلحين في العديد من الشوارع، والاقتحامات لمنازل مسؤولين على العاصمة اليمنية صنعاء ليبدو أن سكان العاصمة أمام المرحلة الثانية في طريق بسط مليشيا الحوثي سيطرتها بشكل كامل على العاصمة اليمنية صنعاء، بعد أن كانت المرحلة الأولى قد بدأت في سبتمبر/أيلول 2014، وفيها اجتاحت الجماعة صنعاء، ولكن بتحالف أو تسهيل من حليف، ظلّ شريكاً لها على مدى أكثر من ثلاث سنوات منصرمة، قبل أن يقضي مقتولاً، فيما سقط رجاله بين قتيل وأسير ومجهول المصير.
وفي الوقت الذي لا يزال مصير جثمان علي عبد الله صالح مجهولاً في ظل تضارب الأنباء حول دفنه أو استمرار التحفظ عليه، تحمل التعزية التي أعلن عن قيام ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بتقديمها لأحمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس اليمني السابق بـ”وفاة والده” في مقر إقامته في الإمارات رسائل عدة، خصوصاً في ما يتعلق بطبيعة التحالفات السياسية والعسكرية في المرحلة المقبلة. ونشر بن زايد على صفحته على موقع “تويتر”، صورة له مع نجل صالح “خلال زيارة له في مقر إقامته في أبوظبي”.
ويقيم نجل صالح في أبوظبي، في ما يُوصف بـ”الإقامة الجبرية” بموجب العقوبات الدولية التي شملت اسمه في قرار مجلس الأمن 2216. وكان أحمد علي سفيراً لليمن في الإمارات، التي تتهمها “مليشيا الحوثي” بالتنسيق مع صالح للانقلاب على تحالفه معها، ما أدى إلى انفراط التحالف بينهما ومن ثم تصفية صالح من قبل الحوثيين، الذين أعادت ممارستهم خلال الأيام الماضية سيناريو ما تعرضت له العاصمة صنعاء في عام 2014.
وبعد يومين على مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وحدهن النساء من استطعن كسر حاجز القبضة الحديدية للحوثيين في العاصمة، ليخرجن بتظاهرة شاركت فيها العشرات منهن، في كل من “ميدان السبعين” و”ميدان التحرير”، وأمام المستشفى العسكري في منطقة “شعوب”، حيث جثث القتلى الذين قضوا في أحداث صنعاء، منذ ما يقرب من أسبوع.
وأكد شهود عيان لـ”العربي الجديد” أن الحوثيين والقوات الموالية لهم، انتشروا بكثافة، وقمعوا الاحتجاجات النسائية بإطلاق النار في الهواء، بالإضافة إلى أنباء عن تعرّض العديد منهن إلى الضرب بالعصي، وفقاً لشهادات مصوّرة بثها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما رفعت المشاركات لافتات تطالب الحوثيين بتسليم جثمان علي عبدالله صالح، وأقارب لهن قضوا خلال المواجهات الأخيرة، أو لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم.
وتتضارب المعلومات حول مصير جثمان صالح، إذ تقول مصادر إن الحوثيين اشترطوا عدم “تشريح” جثته، وأخرى تتحدث عن أنهم قاموا بدفنها في إحدى مقابر صنعاء، مساء الثلاثاء الماضي، من دون جنازة. الأمر الذي لم يصدر حوله أي تأكيد أو نفي فوري، من قبل الحوثيين، الذين يحتفظون بأغلب جثث القتلى، بالإضافة إلى الجرحى من أنصار صالح.
وتشهد صنعاء، أجواء تشبه إلى حدّ كبير، المرحلة التي أعقبت اجتياح مسلحي المليشيات للعاصمة اليمنية في 21 سبتمبر 2014، إن لم تكن الفصل الأكثر دموية وتأثيراً، حيث وضع الحوثيون أيديهم، على منازل صالح وأقاربه وقيادات ومسؤولين في حزبه ومعاقل نفوذه، وانتشروا بكثافة في تلك المناطق، قرب ما يعرف بـ”الحي السياسي”. وجاءت هذه التطورت في وقت قام التحالف الذي تقوده السعودية، خلال الـ72 ساعة الماضية، بقصف مكثّف استهدف منزل صالح، والذي دارت فيه المعركة الأخيرة ويُعتقد أنه قتل فيه، بغارات عدة، بالإضافة إلى قصف منازل لأقارب الرئيس السابق، بسط الحوثيون سيطرتهم عليها في الأيام الماضية.
ولا يزال مصير العشرات إلى مئات من قيادات وناشطي حزب المؤتمر مجهولاً. وتحدثت أنباء لم يتسن تأكيدها، عن إعدامات جرت لموالين لصالح وقعوا في أسر الحوثيين. كذلك، تحدثت، أمس الأربعاء، منظمة “رايتس رادار” الحقوقية اليمنية، عن وجود معلومات “متضاربة” عن قيام مسلحي الحوثي بإعدام الكثير من أسرى الحرب من قيادات وأنصار حزب المؤتمر الشعبي العام خلال الأيام القليلة الماضية”، فيما أطلقت الحكومة الشرعية، وعبر وزير الإعلام، معمر الإرياني، يوم الثلاثاء الماضي، نداءً “عاجلاً” إلى مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية المعنية، وقالت إن المليشيات الحوثية “ترتكب مجازر”، وتقوم بـ”اقتحام البيوت وتخطف قيادات المؤتمر وتقتلهم”، وفق اتهام المصدر.
وفي الوقت الذي لم يتسن فيه على الفور، الحصول على تعليق على ذلك من قبل الحوثيين، سبق أن نفى القيادي في الجماعة، حسين العزي، منذ يومين، الأنباء التي تحدثت عن “مداهمات يتم القيام بها ضد إخوتنا في المؤتمر”، وأضاف “هذا غير صحيح، فليس لنا ولا لأي يمني وطني أصيل وشريف في هذا البلد أي مشكلة مع أي شخص أو أي حزب أو أي جهة. مشكلتنا فقط مع العدوان والمتآمرين معه”.
جدير بالذكر، أن الحوثيين، ولدى اقتحامهم صنعاء في عام 2014، نفّذوا العديد من الاقتحامات للمقار ومنازل قيادات حزب التجمّع اليمني للإصلاح المحسوبين على خصمهم العسكري علي محسن الأحمر، وكانت المرحلة الأولى التي بسط فيها الحوثيون سيطرتهم على صنعاء، وعلى ممتلكات ومقار خصومهم، خصوصاً بعد بدء عمليات التحالف بقيادة السعودية في مارس/آذار2015.
ومع الأحداث الأخيرة، استكمل الحوثيون تعزيز قبضتهم، بتصفية نفوذ صالح، الرجل الذي حكم اليمن لعقود، ولحزبه الأكبر في اليمن، وما يرتبط به من قيادات عسكرية وسياسية، في وقت أن عدداً كبيراً من قيادات “المؤتمر”، اختفت من المشهد، وسط أنباء عن مساومات يقوم بها الحوثيون، مع قيادات في الحزب، لاستئناف نشاطها فيه، ولكن لموالاة الجماعة.