لا يزال التضارب في الروايات يحيط بملابسات اغتيال الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي قتل فجأة ليبدد آمالاً علقها عليه الكثير من اليمنيين في إزاحة كابوس الحوثيين الجاثم على صدر العاصمة صنعاء وسكانها، بعد أن فض تحالفه معهم.
تتبعت «الخليج» كل الروايات حول الأمر، للوقوف على الرواية الأكثر دقة لملابسات الاغتيال الذي تعرض له الرئيس السابق، وطبيعة التفاصيل الأخيرة والمبهمة التي سبقت سقوط رجل اليمن القوي الذي حكم البلاد 33 عاما، رقص خلالها كثيرا فوق رؤوس الثعابين كما كان يقول، قبل أن يتعثر في «الرقصة» الأخيرة، ومنها رواية استمعت إليها «الخليج» من أحد ضباط حمايته.
آخر رواية مغايرة
المعلومات التي كشف النقاب عنها الناشط السياسي المقيم في لندن الدكتور محمد جميح للحظات الأخيرة التي سبقت اغتيال الرئيس صالح على يد ميليشيا الحوثي، مساء الأحد 3 ديسمبر 2017، وهو التوقيت الأدق بحسب روايات متطابقة، عززت الشكوك بوجود خيانة من الدائرة الضيقة المحيطة به، كون مقتله بتلك الطريقة غير المتوقعة والصادمة مقارنة بما عُرف عن الرجل من امتلاكه حساً أمنياً مرتفعاً وقدرة على إحاطة تحركاته وتنقلاته وأماكن تواجده وإقامته بسرية بالغة وتدابير أمنية مشددة، تمثل مفارقة لافتة وغير منطقية.
وأشار جميح إلى أن ثمة معلومة مؤكدة حصل عليها من أحد المقربين من صالح الذي يتواجد بشكل مستمر في منزل الأخير، بأن «صالح اتصل في لحظاته الأخيرة بأفراد في أسرته وحدد لهم أسماء شخصيات مقربة منه، اتهمها بخيانته والتسبب في مقتله ومنهم أحد كبار معاونيه وصحفي مقرب منه، كان لهما دور في وضع أجهزة تنصت في بيته لصالح الحوثيين.
ولفت إلى أن أحد ضباط صالح في الحرس الجمهوري ومسؤول في مخازن التسليح، رفض صرف أسلحة لثلاثة آلاف مقاتل جمعهم مهدي مقولة لنجدة صالح، مشيرا إلى أن الضابط فتح المخازن لاحقا للحوثيين، الذين قاموا بتصفيته بعدها.
مكان الاغتيال.. مفارقة لافته
أكد ضابط برتبة مقدم يعمل ضمن طاقم الحراسة المرافقة المحدودة للرئيس السابق في تحركاته وتنقلاته داخل العاصمة، أن صالح كان يتنقل بين عدة منازل تقع في أحياء شعبية ويتم استئجارها بطريقة تقليدية دون الإفصاح عن هوية الرئيس، الذي كان يبدي تشددا في مراجعة التدابير الأمنية المحيطة بتحركاته، وهو ما أحبط محاولات الحوثيين المتكررة والمبكرة لتعقبه والكشف عن مكان إقامته البديل، بهدف النيل منه لاحقا.
ولفت إلى أن توجه الحوثيين بشكل مباشر إلى منزل «الثنية» وتحريكهم دبابة روسية تابعة لقوات الحرس تم نهبها من قبل الميليشيا في وقت سابق، لاستخدامها في قصف المنزل وتسهيل اقتحامه، يدل على حصولهم على معلومات مسبقة، حددت إحداثية تواجد صالح، الأمر الذي يعزز من فرضية وجود خيانة من الدائرة المقربة منه.
فرضية تعرض الرئيس السابق لخيانة من الدائرة المقربة منه سهلت على الحوثيين مباغتته والنيل منه بتلك الطريقة الدراماتيكية الصادمة، تبرز كجزء من أسباب تضافرت لتفضي إلى تلك النهاية المأساوية ل«الزعيم» وهو التوصيف الذي اقترن بصالح منذ إبعاده عن السلطة بموجب اتفاق المبادرة الخليجية نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وبحسب معلومات موثوقة حصلت عليها «الخليج» فإن الرئيس السابق تلقى اتصالا هاتفيا صبيحة يوم الأحد 3 ديسمبر الجاري من شخصية عسكرية رفيعة مقربة منه وترتبط بعلاقات وطيدة مع قيادة جماعة الحوثي عرضت خلاله على صالح اتفاقا للتهدئة مع الأخيرة، لمنع إراقة الدماء والحفاظ على الأمن بالعاصمة، حيث خلص الاتصال إلى موافقة الرئيس الراحل على الالتقاء بهذه الشخصية للتفاهم حول المبادرة المطروحة للتهدئة، قبل أن يحدد كعادته الاستراحة الملحقة بمنزل «الثنية» مكانا لانعقاده، وهو ما كان يترقبه الحوثيون لاستدراج صالح إلى مكان معلوم، تمهيدا للنيل منه، فيما تم تحديد ساعة الصفر لمهاجمة المنزل واقتحامه، بعد التثبت من تواجده داخله بناء على بلاغ من أحد المحيطين بصالح، الذي تم استقطابه من قبل الجماعة المتمردة ومثل نقطة الضعف في منظومته الأمنية المخترقة.
مقتل صالح.. الرواية المرجحة
غادر «أ. ع. ر» وهو ضابط برتبة ملازم ثان وأحد أفراد قوات النسق الثاني حماية، التي خاضت المواجهات ضد الحوثيين في محيط منزل الرئيس السابق المستشفى العسكري بصنعاء، بعد أقل من ساعتين من دخوله اليه، عقب تعرضه لشظية في الفخذ اليسرى، لاعتبارات تتعلق باستشعاره الخطر وإمكانية تعرضه للقتل من قبل ميليشيا الحوثي.
وكشف الضابط في قوات الحماية في اتصال هاتفي أجرته معه «الخليج» عن تفاصيل مقتل الرئيس السابق صالح، مؤكدا أن صالح لم يُقتل عقب اقتحام الحوثيين منزله، حيث تردد أن إعدامه تم بعد توجيهات تلقاها قائد عملية الاقتحام في اتصال هاتفي من زعيم الجماعة الموالية لايران، وهي الرواية المتداولة، ولكنه قُتل برصاصة قناص استقرت فوق عينه اليسرى، مشيرا إلى أن الرئيس السابق قُتل في وقت متأخر من مساء الأحد، وليس يوم الاثنين، كما زعمت جماعة الحوثي، حيث قام مسلحون بعد ساعات من مصرعه بحمله ميتاً إلى الطريق الرئيسي، الذي يربط صنعاء بمديرية سنحان، مسقط رأسه لترتيب مسرحية هروبه الفاشل، كما ادعت الجماعة.
وأشار إلى أن صالح كان بإمكانه الخروج من المنزل ومحيطه عبر نفق أرضي، لكنه رفض ذلك وخرج من مكان محصن في المنزل لتفقد قتلى وجرحى قوات الحماية، وهو ما تسبب بمقتله برصاصة قناص، كان يتمركز في أحد المواقع المرتفعة المطلة على فناء المنزل وهو موقع كان مؤمناً في الأوضاع الاعتيادية.