بمجرد إلقاء نظرة على إعلام جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في اليمن أخيراً، يمكن ملاحظة أن الجماعة لا تزال تعيش تداعيات معركة صنعاء التي حسمتها في غضون أيام قليلة وقتلت الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتسعى في الأثناء لتثبيت سيطرتها الانفرادية بالعاصمة اليمنية، بالتوازي مع المعركة العسكرية التي يواجه فيها الحوثيون قوات وقوى الشرعية المتعددة، المتقدمة في الأسابيع الأخيرة، بشكل ملموس، في ثلاث محافظات على الأقل، بالاستفادة من المعادلة الميدانية الجديدة، التي تخلقت بانهيار تحالف الحوثيين مع حزب صالح.
في هذا السياق، أفادت مصادر سياسية يمنية في صنعاء لـ”العربي الجديد”، بأن “القيادات الحوثية تبذل جهوداً للتطبيع مع قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام المتواجدة في صنعاء، في وضع أقرب إلى الإقامة الجبرية، مع سعي الجماعة لإعادة مجلس النواب، الذي يتمتع فيه حزب صالح بالأغلبية للانعقاد، كما تسعى لانتزاع مواقف من قيادات الحزب المتواجدة بالعاصمة، تقفز على أحداث مطلع الشهر الماضي، وتعترف بالأمر الواقع الذي فرضه الحوثيون بالقوة”.
وجاءت حركة الاتصالات والضغوط الحوثية على قيادات في حزب المؤتمر، جنباً إلى جنب، مع حملة الاعتقالات والقيود التي فرضتها الجماعة على تحركات قيادات الحزب في ظل غياب أي نشاط فعلي للحزب من العاصمة صنعاء، ومع مغادرة العديد من القيادات في الحزب، إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وسط إجراءات مشددة تفرضها الجماعة لمنع مغادرة مزيد من القيادات.
وخلال الأسابيع الماضية، سعى الحوثيون إلى مد جسور علاقات مع رموز وشيوخ قبليين، على غرار زيارة نادرة قام بها رئيس “المجلس السياسي الأعلى”، صالح الصماد، إلى منزل الشيخ صادق بن عبدالله حسين الأحمر، أبرز الرموز القبلية في محافظة عمران واليمن عموماً، وجاءت الزيارة في الذكرى العاشرة لرحيل والده، الذي كان يُصنف كأبرز أركان النظام في اليمن، عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب السابق، ورئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح حتى وفاته عام 2007.
وحرص الحوثيون على تغطية واسعة لزيارة الصماد لزعيم قبائل حاشد صادق الأحمر في منزله، الذي اعتزل السياسة منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، فيما بدا أن الجماعة وبعد أن تخلصت من حليفها اللدود صالح، سعت لإيصال رسائل تهدئة وتطبيع مع خصوم ومنافسين تقليدين آخرين، كآل الأحمر. وكان الصماد نفسه قام منذ نحو أسبوعين، بزيارة إلى منزل زعيم قبائل بكيل، الشيخ ناجي الشائف، في خطوة عكست بوضوح توجه الحوثيين لخطب ود زعماء قبائل كانوا مقربين من صالح أو تحضر أسماؤهم كرموز قبلية في المحافظات الشمالية لليمن بشكل عام.
وبالتزامن مع الجهود وحركة الاتصالات الحوثية مع قيادات حزب صالح في صنعاء وشيوخ قبائل، نفذت الجماعة في المقابل، حملة إعلامية تتضمن خطاباً موجهاً للقبائل ولجماهير حزب المؤتمر بشكل خاص، شنّت فيه هجوماً عنيفاً على من تصفه بـ”زعيم الخيانة”، وسعت لإثبات أنه “تآمر عليها وتواصل مع دول التحالف”.
وفي السياق، نشرت الجماعة وثائق مزعومة، مؤيدة خطابها، بما في ذلك وثيقة من دون ختم أو توقيع تم نشرها على أنها رسالة إلى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، تضمنت أن “قوات الحرس الجمهوري المعروفة بالولاء لصالح تقف على الحياد منذ بدء الحرب، وأن الصواريخ باتت تحت سيطرة الحوثيين، قاموا بنقلها إلى مكان غير معروف، كما أعلنت الجماعة أنها ضبطت في منزل صالح أسلحة وأموالاً وكميات من الذهب والفضة”. وغير ذلك من الخطوات والتصريحات التي أشارت بمجملها إلى أن “الجماعة تعيش مرحلة تداعيات الانتصار الذي حققته في صنعاء وتخشى تبعاته في المناطق التي تسيطر عليها وبالمقدمة منها العاصمة”.
في المقابل، واصلت قوات الشرعية حملتها على أكثر من محور، وحققت في الأسابيع الأخيرة، تقدماً في محافظة الحديدة، غربي البلاد، وفي محافظة شبوة جنوباً، قبل انتقال المعركة منها إلى البيضاء، فيما بدأت حملة عسكرية في اليومين الأخيرين، بمحافظة الجوف، وأعلنت أنها وصلت إلى منطقة اليتمة التي تعد مركزاً مهماً في المحافظة، فيما تواصلت المواجهات شرقاً بوتيرة شبه يومية.