دخلت اليمن منذ سبع سنوات زمن الثورة، وعلى عكس الأعوام السابقة، تأتي ذكرى فبراير لهذا العام في ضوء العديد من المتغيرات كان أبرزها انفراط عقد تحالف “الثورة المضادة” بمقتل عرّابها، علي عبدالله صالح، على أيدي حلفائه الحوثيين.
تقييم منجزات أو إخفاقات ثورة فبراير ليس أمرا يسيرا، خاصة إذا كان المشككون في كونها حققت جزءا من أهدافها كثر، ويعملون بطريقة أو بأخرى على تحقير المنجز الثوري، وتحميلها وزر ما نحن عليه اليوم، وسنحاول في هذه المادة بيان المنجزات والإخفاقات التي رافقت ثورة فبراير.
وقبل التعريج على الإخفاقات لا بد أولا من بيان المنجزات العظيمة التي رافقت الثورة وامتدت لما بعدها والتي لا زلنا نلتمسها إلى اليوم ولو كانت ليست بقدر الأهداف التي وضعها وصاغها شباب الثورة.
ولعله من المبكر الحكم حاليا على طبيعة المرحلة القادمة بعد موت صالح، إلا أنه يمكن الجزم أن ثورة فبراير كشفت هشاشة وضعف نظام صالح الذي لم تصمد قواته أمام الحوثيين بعد إعلانه فض التحالف معهم في الثاني من ديسمبر الماضي، حيث أحكم الحوثيون الحصار عليه، ليقتل في نهاية المطاف.
كان أهم ما حققته ثورة فبراير إسقاط نظام صالح، الذي عزل عن الحكم تحت ضغط الفعل الثوري لفبراير، من خلال مبادرة صاغتها دول الخليج العربية، أنهت حقبة هيمنة الحزب الواحد الذي شكل واجهة للدكتاتورية لأكثر من 33 سنة.
دفنت الثورة مشاريع التوريث إلى الأبد، ومثلت تحريضا على ضرب مصالح الطبقة الحاكمة وأطلقت فضاء واسعا من الحريات ، وفتحت المجال لشراكة وطنية لم تتحقق من قبل، تجسدت من خلال مؤتمر الحوار الوطني.
ولكن وبالرغم من كل ذلك برزت أصوات تهدف في المقام الأول إلى تحميل ثورة فبراير وزر ما يحدث اليوم، من حرب أهلية وصراعات وهذا غير صحيح حيث إن هناك جملة من الأسباب التي أدت إلى خفوت وهج الثورة وتعثرها في تحقيق وضع جديد أفضل من سابقتها، شاركت فيها أطراف محلية وإقليمية ودولية أوصلت الوضع لتلك المآلات، ومن جملة تلك الأسباب :
سلبية تعاطي القوى السياسية مع الثورة التي لم تكن على قدر الحدث ولم تكن منسجمة بالقدر الذي يكفي لتحقيق أحلام الثوار، وأيضاً هناك من كان مع الثورة ودخلها في سبيل أجندة خاصة، ومثّلت لهذه القوى حصان طروادة لتحقيق أهداف خاصة.
وكان من الملاحظ عقب التوقيع على المبادرة وتعاطي قوى الثورة معها باعتبار ما حدث أزمة سياسية نتيجة القبول بصيغة توافقية أزاحت رأس النظام السابق وحكمه، ولكنها أبقت على الحزب الذي يرأسه في المشهد السياسي، وكذلك أعطت صالح حصانة وأبقت على النخب السياسية والاجتماعية التي كانت تشكل عاملا قويا ساهم في إبقاء صالح على السلطة، في حين كان ينبغي كسر شوكة المستفيدين من الوضع السابق، وخلق وضع يمنعهم من التأثير على المستقبل سواء نفوذهم المالي أو السياسي، والمرور إلى بناء البلد بقوى جديدة تكون من رحم الثورة.
الأداء السياسي الضعيف للرئيس هادي الذي فشل في تشكيل جبهة ممانعة قوية تخلق توازناً مع الحوثيين، ولم يسهم بشكل كبير في تغيير معادلة القوة.
موقف القيادة السعودية من تطورات أحداث الربيع العربي بشكل عام، والتطورات في مصر على وجه التحديد، وتغير أولوياتها في اليمن، حيث وقعت تحت تأثير ما أطلق عليه “فوبيا الإخوان”، الذي يضخم خطر الإسلاميين، وتقديمه على أي خطر يمكن أن تشكله قوة أخرى بما في ذلك الحوثيون، واتخاذها إجراءات شديدة تجاه ما اعتبرته الحامل الرئيس لتلك الثورات، وهو تنظيم الإخوان المسلمين، حيث تم إدراج معظم فروعه ضمن التنظيمات الإرهابية.
وكان من جملة تداعيات إزاحة الإخوان المسلمين عن السلطة في مصر، أن القوى الجديدة التي شاركت في حكم اليمن أضحت بلا سند أو ظهر إقليمي يحميها، كما أنه أعاد الثقة في القوى المناوئة لهم، وجعلهم في دائرة الاستهداف من قبل بعض دول الإقليم الثرية، التي تبنت استراتيجية إسقاط القوى التي جاءت بها ثورات 2011م.
وأمر مثل هذا جعل تلك القوى تتحسب في تصرفاتها السياسية، وهو ما دعاها إلى الابتعاد عن استخدام العمل العسكري في مواجهة الحوثيين إلا في أضيق الحدود، خوفا من أن ترصّدهم تلك الدول وإمكانية تصنيفهم كجماعات عنف.
دور الأمم المتحدة الذي بدى متراخيًا ولم يكن بحجم الحدث والمأساة المستمرة في اليمن، والتي يتحمل مجلس الأمن فيها المسؤولية الأخلاقية لعدم تنفيذ قراره رقم 2216 الخاص بالأزمة اليمنية.
كل ذلك أوجد بيئة خصبة لتحالف تكتيكي تشكل بين جماعة الحوثي وبقايا النظام السابق قاموا خلاله بثورة مضادة عرجت بثورة فبراير عن استكمال تحقيق أهدافها، وخلقت أزمات جديدة استوطنت البلاد.
ولئن خبت الموجة الأولى من الثورة فإن عوامل كثيرة تتشكل لبعث موجة ثانية أكثر نضجا وقد يتأخر الحراك الثوري لكنه لن يموت، فالنصر قادم لا محالة.