بعد خمسين سنة من الثورة يأتي من يغرقنا في خرافة “الولاية”.. وخرافة أفضلية الاستعمار، وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان.
أتذكر اليوم كلام مدرسة اللغة الانجليزية في ثانوية خورمكسر عام ١٩٦٦ “مسز روبرتسون” وهي تحدثنا عن الثورات يوم أن كانت عدن تشتعل بالثورة.. خلاصة ما تبقى في الذاكرة من كلامها هو قولها من أنكم ستجدون أنفسكم وحيدين لا تعرفون من أين تبدأون، لن يساعدكم أحد إلا وهو يضمر شيئاً ما.
الغرب سيزايد عليكم بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، ولن يهمه كثيراً أن تتحقق هذه القيم أو لا تتحقق في بلدكم، بالعكس قد يقف، محمولاً بمصالحه، إلى جانب من يقمعون هذه القيم أو يمضغونها للتسلية.
الغرب مهتم بقيم الحرية داخل مجتمعاته باعتبارها التحديات الكبرى التي يستمد منها شرعية الاستقرار السياسي والاجتماعي في بلدانهم، أما في بلدانكم فلن يكون الموقف منها سوى سوط يجلد به من يخرجون عن طاعته.
والشرق الاشتراكي بلا مستقبل، بعد أن تحولت الأيديولوجيا التي تحمل هموم الكادحين وأحلامهم إلى وسيلة لتسويق أنظمة قمعية مغلقة.
الثورات في بلدانكم هي عبارة عن حالة وجدانية غاضبة من شيء ما، لكنها لا تحمل مشروعاً ثورياً يبدأ بتغيير الإنسان تغييراً جذرياً.
إذا لم يتغير الإنسان بصفات ثورية من ذلك النوع الذي تنتهي معه علاقته الوجدانية بالخرافات التي قمعت مبادرته قروناً طويلة، فلا شك أنها ستتمكن منه مرة أخرى مع كل انتكاسة تمر بها هذه الثورات.
نعم، اليوم نقف أمام حقيقة من حقائق الحياة وهي أن كل ما عملته الثورات هو أنها أنتجت نخباً متعالية على مجتمعاتها، أو منفصلة عنها، غير قادرة أن تغوص إلى قلب هذه المجتمعات لتقود التغيير فيها، حيث بقيت هذه المجتمعات في فراغ تملؤه الإشاعة والخرافة.
أما أن الأنظمة السياسية فقد ظلت تخشى تغيير الإنسان تغييراً ثورياً بمفهوم يرتب انتقاله بصورة نهائية إلى العلم والمعرفة… وكل ما عملته وتعمله هذه الأنظمة هو أنها خلقت مجتمعين متنافرين غير متجانسين، أحدهما يدمن المكتب والتعالي على واقعه، والآخر يهيم في الشارع وفي همومه ويهيئ نفسه للسلاح واستقبال الخرافة.
وهنا تكمن المشكلة..