رمضانٌ جديد يقبل على اليمنيين بعد أيام، والمأساة الإنسانية لا تزال مستمرة، إذ يستقبل سكان صنعاء ومناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين رمضان هذا العام في ظروف فقدوا فيها بهجة وروحانية هذا الشهر الفضيل، إذ يتضافر ارتفاع أسعار السلع الغذائية وانعدام الغاز والمشتقات إلى جانب وسائل الترهيب والقمع الحوثية، ليجعلا من رمضان شهراً قاسياً على اليمنيين.
أسماء، معلمة ونازحة بصنعاء وأم لثلاثة أطفال قُتل والدهم بإحدى القذائف التي أطلقتها الميليشيات الحوثية على أحياء تعز، تبتسم عند سؤالها عن استعداداتها لاستقبال رمضان، وتقول: أنا وأطفالي نعيش صياماً قسرياً منذ عام على نزوحنا من تعز إلى صنعاء.
وتتحدث أسماء لـ(الشرق الأوسط) عن سخرية مريرة تنبعث من هذه المناطق التي يندر فيها وجود الطعام والماء ويتناول معظم سكانها القاطنين بالقرب منها وجبة واحدة في اليوم.
وتشكو من ارتفاع الأسعار المستمر بالعاصمة صنعاء، وتؤكد أنها تضاعفت أكثر مع قرب قدوم رمضان.
وتعيش المعلمة أسماء، وهي دون راتب منذ أعوام، على ما تجود به عليها وأطفالها بعض الجمعيات وفاعلي الخير.
ويتنهد عبد الله غالب هو الآخر بألم وحسرة عند سؤاله حول تجهيزاته لرمضان، ويقول: لم تعد تفرق معنا حالياً الشهور في اليمن سواء رمضان أو غيره، فكل أمنياتنا ودعاءنا ألا نفقد ما تبقى لدينا من كرامة آدمية في سبيل العيش والبقاء على قيد الحياة.
ويتساءل غالب، الذي أجبرته اشتداد حرب الميليشيات على التحيتا بالحديدة للنزوح مع عائلته لدى أقارب له في إب: هل كثير علينا بهذه البلاد أن ننعم ولو بالطمأنينة أو الأمن؟، ويضيف: ماذا نفعل، لا أعلم، ولا تسألني كيف سأمضي رمضان، لدي 4 أطفال تتلاشى أجسادهم النحيلة أمامي، وأنا عاجز عن ممارسة طقوس البهجة الرمضانية أمامهم، وشراء ما أقدر عليه من احتياجات رمضان كالمأكولات الروتينية على أبسط تقدير.
ويتابع: يا إلهي كم هو قاسٍ هذا الشعور أن تدق أجراس وصول رمضان الخير الذي اعتدنا على روحانيته وسخائه بحلة غير التي اعتدناها كئيبة مع جوع يلفنا من كل الجهات.
ومع تلك المعاناة المستمرة يتناسى اليمنيون حاجتهم المُلِحَّة في التحضير المعتاد سنوياً لرمضان هذا العام كونه سيحل في ظل أوضاع مأساوية فرضها استمرار المعارك التي تشنها الميليشيات على مدن البلاد.
ولم تعد أم سمير (ربة منزل بصنعاء)، تأبه كثيراً هذا العام كما في السابق بالمائدة الرمضانية وشراء حاجياتها قبل مدة من حلول رمضان، وتقول: لو قدرنا في رمضان هذا العام نوفر القوت الأساسي لعائلتنا فهذا كل ما نتمناه، فالحرب تسببت بتوقف عمل زوجي ورفعت الأسعار وتكاليف المعيشة وأعدمت كل شيء كالغاز والكهرباء والماء، وجعلتنا نصرف تفكيرنا عن مصروفات رمضان وكل ما نتمناه الآن وما ندعو به هو الأمن والأمان وستر الحال.
ومع قرب حلول رمضان ارتفعت أسعار المواد الغذائية بصنعاء ومناطق سيطرة الميليشيات وتفاقمت أزمة المشتقات والغاز المنزلي لتضيف معاناة أخرى لدى السكان، وتحد من فرحتهم وقدرتهم الشرائية.
ويؤكد أصحاب محال تجارية بصنعاء بأحاديث متفرقة لـ(الشرق الأوسط)، ضعف الإقبال على الشراء من قبل المستهلكين كما هو المعتاد بمثل هذه المواسم. ويرجعون السبب لظروف الحرب التي يمر بها البلد والتي تسببت بارتفاع الأسعار وفقدان الكثير من الناس وظائفهم، الأمر الذي أدى، بحسبهم، إلى تأثر الحركة التجارية وتكبد الجميع خسائر كبيرة.
ويُقدر منذر البحري أحد تجار صنعاء، نسبة تراجع الحركة التجارية والشرائية هذا العام من حيث الاستعداد لرمضان مقارنة بالأعوام الماضية بنسبة تصل إلى 75 في المائة.
وبدوره يُفيد أبو أحمد – مواطن من صنعاء – أن رمضان على الأبواب والأسعار في ارتفاع مخيف والناس هنا لا تمتلك حتى قوت يومها الضروري.
ويقول لـ(الشرق الأوسط) إن كيس الأرز زنة 5 كيلوغرامات كان ثمنه 1500 ريال يمني قبل الانقلاب والآن أصبح ثمنه 4500 ريال، وكيس القمح زنة 20 كيلوغرام كان ثمنه 6 آلاف ريال، والآن أصبح بـ12 ألف ريال (الدولار نحو 500 ريال).
ويضيف: أن كل الأسعار تغيرت حتى الخضراوات، فكيلو الطماطم مثلاً الذي كان بسعر 100 ريال أصبح الآن بـ500 ريال وكيلو البطاطا الذي كان بـ200 ريال، أصبح اليوم بـ450 ريالاً، ناهيك عن منتجات الألبان وغيرها التي شهدت زيادة جنونية في أسعارها وصلت لنسبة 400 في المائة.
ويوضح تقرير مؤشرات الاقتصاد اليمني الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي لشهر مارس (آذار)، أن أسعار المواد الأساسية في اليمن شهدت ارتفاعاً بنسبة 2 في المائة رغم التحسن الطفيف للريال اليمني، مقارنة بالدولار والعملات الأخرى. ويقول التقرير الذي اطلعت عليه الشرق الأوسط، إن العاصمة صنعاء احتلت المرتبة الأولى بارتفاع الأسعار بنسبة 5 في المائة وجاءت محافظة الحديدة بالمرتبة الثانية.
واعتادت الميليشيات منذ انقلابها، على اختطاف طقوس وفرحة رمضان من قلوب اليمنيين، وفرضت عليهم طقوساً غريبة ودخيلة، ويبدو أن أجواء رمضان في صنعاء ستكون هذه المرة كسابقاتها غير مألوفة لدى أهلها كما تقول عينة من سكان العاصمة صنعاء.
ويرجح السكان أن رمضان سيكون غريباً في صنعاء، تكسوه شعارات الميليشيات وصورهم وصرختهم وثقافتهم التي لا تشبه اليمنيين ولا تمثل ثقافتهم.
من جانبه، يؤكد خطيب وإمام مسجد بصنعاء أن معاني الشهر الفضيل غابت في ظل الانقلاب وتحولت مقاصده من التسامح والمحبة والعطف على الفقير والشعور بالجائع، إلى القتل والدم والشحن الطائفي والتجويع المتعمد، الأمر الذي اعتبره أيضاً تغييباً متعمداً لروحانية رمضان الفضيل وصولاً إلى الإساءة لصورة الدين الإسلامي ومقاصد الشريعة.
وأضاف: إن رمضان غادر مدينة صنعاء منذ سنوات ولا أظنه يمر فيها هذا العام، واعتقد الشيخ الديني أن رمضان هذا العام سيكون يتيم التراويح ويتيم الكثير من الطقوس الدينية الجميلة المعتاد ممارستها من قبل اليمنيين.
وقال الشيخ، مفضلاً عدم ذكر اسمه لـ(لشرق الأوسط): إذا دخل رمضان لن نرى الابتسامة والفرحة تشعان من وجوه الصغار والكبار ابتهاجاً بقدومه، ولن نسمع مكبرات الصوت ولا صلاة التراويح ولا تلاوات الناس للقرآن، فقط سنسمع اللعنات والشتائم ودعوات الموت والتحريض بدلاً عن الذكر ورفع كلمة الله كما أمر.
وكعادتها تستعد الميليشيات لفرض قيود كبيرة على المساجد بصنعاء، والمدن الخاضعة لسيطرتها للعام الرابع على التوالي، وذلك بالتزامن مع قرب حلول رمضان.
وبحسب مسؤول بالأوقاف بصنعاء، يدور حالياً بأروقة وزارة الأوقاف استعدادات حوثية لإصدار تعاميم تُلزم خطباء وأئمة المساجد بتنفيذ عدد من التوجيهات والأوامر التي تسعى الميليشيات من خلالها لاستغلال هذا الشهر للدفع بالمواطنين لجبهات القتال، واستغلال ساعاته وأيامه ولياليه للتعبئة الطائفية.
ويؤكد المسؤول لـ(الشرق الأوسط) أن التعاميم المرتقبة ستتضمن الإلزام الإجباري للخطباء بتوحيد خطب الجمعة، وعدم الخروج عن المواضيع والنصوص التي تقرها الميليشيات الطائفية.
وقال إن من بين التوجيهات التي ستلزم الخطباء والأئمة بتنفيذها خلال رمضان إغلاق مكبرات الصوت أثناء صلاة التراويح وإقامة الدروس الليلية، وإجبار خطباء المساجد على التضرع والدعاء لنصرة الميليشيات الطائفية.
ويقترب رمضان من اليمنيين هذه المرة خالي الوفاض، في ظل وضع تصفه منظمات الإغاثة الدولية بـالمفزع والكارثي، وتقول الأمم المتحدة إن نحو 80 في المائة من اليمنيين يحتاجون للمساعدة الإنسانية، وإن ثلثي البلاد بلغت المرحلة التي تسبق المجاعة.وبحسب إحصائيات المكتب، يوجد في اليمن حالياً 10 ملايين يعانون من الجوع الشديد، و7.4 مليون شخص بحاجة لخدمات العلاج والتغذية، بينهم 3.2 مليون بحاجة لعلاج سوء التغذية الحاد.