حـذر دبلوماسي أمريكي بارز من خطورة تجزئة اليمن وتفكيك دور الدولة المركزية فيه على مستقبل اليمنيين وعلى المصالح الإقليمية والدولية. لافتا إلى أن جانباً آخر من الصراع قد تكون له عواقب طويلة الأجل يتمثل بتراجع أهمية صنعاء كمركز لدولة يمنية موحدة، وتزايد الحكم الذاتي المحلي في أجزاء كبيرة من البلاد.
وفي مقال نشره معهد الشرق الأوسط الأمريكي، أشار السفير الأمريكي الأسبق في اليمن، جيرالد فايرستاين-الذي زار عدن مؤخرا ضمن زيارة نظمها المجلس الأطلنطي الأمريكي- بأن الاهتمام الدولي بالصراع اليمني لا يزال يركز بشكل كبير على الأبعاد الإنسانية للأزمة، وعلى التنافس السعودي ـ الإيراني الرامي لتحقيق أجل مكاسب هناك في اليمن، بالإضافة إلى التركيز على بحث جهود أممية ملائمة لإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات.
وقال فايرستاين في المقال الذي ترجمه “يمن شباب نت” إن زيارته إلى عدن هي الأولى إلى اليمن منذ انتهاء مهمته كسفير فيها، قبل حوالي ست سنوات مضيفاً “بأن شوارع عدن بدت بالنسبة إليه “هادئة ولكنها غير مطمْئنَة”.
وبصرف النظر عن بعض المؤشرات التي توحي بقتال شهدته المدينة مؤخرا، يرى فايرستاين أن المدينة لم تتغير إلى حد كبير عن زياراته السابقة، ويقول: إن مؤشرات الحياة الطبيعية – من أسواق المواد الغذائية إلى طاولات البلياردو المنصوبة على الأرصفة كترفيه شعبي – كانت لا تزال وفيرة في المدينة.
واستدرك:”لكن عدن باتت مدينة مقسمة بين معاقل الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يناور بدعم من الإماراتيين، لبسط نفوذه هناك.
وذكر بأن مسؤول إماراتي رفيع المستوى كان امتدح في السابق مناقب الجنوبيين الذين وصفهم بأنهم حلفاء موالون وملتزمون تجاه القوات الإماراتية في اليمن.
وعن عدن أيضا قال السفير بأن أعلام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة تهيمن على أجزاء المدينة التي يسيطر عليها الانتقالي الجنوبي، وهي ترفرف على منصات الأعلام وتكسو الجدران، إلى جانب صور شهداء الانتقالي الجنوبي، وعلى النقيض من ذلك، بدت الأحياء التي تسيطر عليها الحكومة، والتي تحتضن لافتات لصور الرئيس عبد ربه منصور هادي أصغر حجماً وتحيط بالمجمع الرئاسي (قصر معاشيق) الساحلي حيث التقينا ممثلي الحكومة.
وكشف فيرستاين، عن محاولات الانتقالي الجنوبي ثنيه ورفاقه من زيارة مقر الحكومة الشرعية بعدن.
وقال:” اجتماعنا مع رئيس الوزراء اليمني الجديد المثير للإعجاب، الدكتور معين عبد الملك سعيد، لم يحدث تقريبًا، فبدلا من ذلك تم إرسال الموظفين الأمنيين التابعين للانتقالي الجنوبي لمرافقة وفدنا في جولة في المدينة، بدلا من مقر الانتقالي الجنوبي على الرغم من أننا أوضحنا أننا نريد أن نرى الحكومة الشرعية أولاً”.
وتابع بالقول:”ولو أننا لم نصر على تحويل مسار الموكب مجدد للوفاء بموعد لقاءنا مع الحكومة، لكان من المحتمل أن تكون قيادة الانتقالي الجنوبي قد سعت إلى تأخير زيارتنا للمجمع الحكومي حتى نضطر إلى مغادرة البلاد.
وأردف “ومع ذلك، وبغض النظر عن هذه التوترات السياسية، من الواضح أن العدنيين يبذلون قصارى جهدهم لإقامة حياة طبيعية رغم وضعهم المعقد”.
وفي هذا الصدد، فإن الوضع في عدن يعكس تطورات مماثلة في أماكن أخرى من هذا البلد المنقسم. وتعكس التقارير الواردة من أقصى الشمال، في محافظتي مأرب والجوف، التقدم الذي يشهده اليمنيون خارج المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ضمن جهودهم لبناء حياة جديدة.
وعكست الزيارة الأخيرة نمو مأرب كمركز تجاري في الشمال، تدعمه عائدات النفط والغاز المتدفقة إلى المحافظة، ولم تعد الحكومة المركزية تحتجزها. كما يقوم مشايخ المدينة في منطقة الجوف، وهي منطقة صحراوية متربة قبل عام 2015، بتشييد شبكة حضرية من شوارع المدينة فيما يتوافد رجال القبائل إلى المؤسسة المعنية طلبًا للحصول على تصاريح بناء.
في مأرب، هناك حديث عن مطار جديد. وفي كلا المحافظتين، أنشأت السلطات المحلية محاكمها الابتدائية الخاصة بها، والتي عالجت المشاكل الطويلة الأمد المتمثلة في تحقيق العدالة لمواطنيها وقد أصبح لدى مأرب الآن محكمة استئناف.
ويؤكد فايرستاين بأنه لا يمكن للمرء أن ينتقد اليمنيين وهم يبذلون جهودهم في بناء مستقبل لائق لأنفسهم وعائلاتهم بعيدًا عن نزاع أهلي مدمر.
وأضاف “في الواقع، يعتبر التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مأرب والجوف وعدن انعكاسًا مشجعًا لما يمكن أن يحققه اليمنيون عند منحهم الفرصة. ويعزز نجاح هذه التجارب في الحكم المحلي الرأي القائل بأن اللامركزية وتعزيز الحكم الذاتي المحلي عنصران أساسيان لبناء يمن أقوى وأكثر أمنا وازدهارا في المستقبل”.
لكن الدبلوماسي الأمريكي عاد وحذر من أن استمرار تخلي الدولة عن السلطة لمكونات وجهات مختلفة “يشكل مخاطر أيضًا. مبينا ذلك بالقول بأنه: “كلما تعمقت هذه التركيبات المحلية في الحياة اليمنية، وأصبحت تجذب اليمنيين الذين يسعون إلى الهروب من النزاع الذي يمزق البلد، كلما أصبح من الصعب إعادة بناء اليمن الموحد القابل للحياة حالما ينتهي النزاع”.
ولفت إلى “أنه من المفهوم بما فيه الكفاية، أن الجهات الفاعلة الدولية، من الحكومة الأمريكية إلى البنك الدولي، تبحث التطوير المستمر للبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية اللامركزية وتدرس كيفية التنسيق معها لتوفير المساعدة الضرورية للشعب اليمني”.
ويرى بأن أفضل ما يخدم مصالح اليمنيين والمجتمع الدولي في نهاية المطاف “هو الحفاظ على اليمن موحداً”، وتجنب تطوير عدد كبير من المهدئات التي من شأنها إدامة الصراع، واستدعاء التدخل الخارجي المستمر، وزعزعة استقرار اليمن وشبة الجزيرة العربية الأوسع.
وشدد على أن كلا من اليمنيين وأصدقائهم الدوليين ومؤيديهم “يتعين عليهم إلى المضي قدمًا في هذه المشاريع بحذر، مرحبين بالمساعدة المقدمة لملايين اليمنيين لكن دون إغفال الهدف طويل الأمد المتمثل في الحفاظ على اليمن الموحد”.