بعد تخفي دام لأربعة عقود.. السرطان يقهر عزة الدوري

- ‎فيعربي ودولي

أخيراً أعلن حزب البعث العربي الاشتراكي وفاة عزة الدوري، الرجل الثاني في النظام العراقي السابق الذي لازم الرئيس السابق صدام حسين مثل ظله، وسادس القادة المطلوبين على اللائحة الأميركية التي ضمت 55 قيادياً بارزاً. الخبر جاء على لسان الدكتور خضير المرشدي، الناطق باسم حزب البعث، الذي أعلن وفاة الدوري دون أن يذكر أسباب الوفاة.

المرشدي كان طوال السنوات الماضية ينفي وفاة الدوري أو الإعلان عن اعتقاله من قبل السلطات العراقية، بما فيها إحدى المرات التي ظهر فيها رجل مسجى يشبه الدوري تماماً قيل إنه تم اعتقاله ومقتله.

الدوري كان هو الآخر يكذب أخبار موته ببعض المناسبات السنوية التي يختارها لكي يظهر في خطاب متلفز وهو يرتدي كامل بزته العسكرية. المناسبة غالباً ما تكون ذكرى تأسيس حزب البعث في السابع من أبريل (نيسان)، أو ذكرى سقوط بغداد على أيدي الأميركيين في التاسع من أبريل عام 2003، وحيث إن الوقائع التي يتطرق إليها معاصرة بالقياس إلى تكرار الإعلان عن وفاته أو اعتقاله، فإن الأحاديث الخاصة بكيفية تخفي هذا الرجل المريض بالسرطان منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن تعود مجدداً حتى تحولت حياته لا موته، الذي كان متوقعاً في أي لحظة، إلى لغز من الألغاز.

الدوري الذي كان يحتاج إلى تبديل دائم للدم، كان لا بد أن يكون في مكان تتوفر فيه مستلزمات طبية مناسبة. مع ذلك، فإنه لا السلطات الأميركية التي تمكنت في غضون السنوات الأولى من إلقاء القبض على أبرز رموز النظام السابق، وفي مقدمتهم رأس النظام صدام حسين نفسه بعد أشهر من سقوط بغداد، عجزت عن الوصول إلى الدوري.

رفاق الدوري الكبار تساقطوا إما بتسليم أنفسهم للأميركيين مثل طارق عزيز ووزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم، أو تم اعتقالهم مثل صدام حسين أو طه ياسين رمضان أو علي حسن المجيد، وسواهم من كبار أعضاء القائمة التي ربما لم يبق منها أحد خارج الاعتقال أو الحياة لمن بقي متخفياً، وآخرهم عزة الدوري.

الدوري الذي بقي عصياً، سواء على الأميركيين أو السلطات العراقية، قهره السرطان الذي تمكّن منه أخيراً بعد مطاردة استمرت نحو أربعة عقود. فقبل سقوط النظام السابق كان الدوري المعروف بتشدده الديني فضلاً عن صرامته في العمل الحزبي والسياسي دائم الاستبدال للدم بسبب مرض السرطان. وبعد سقوط النظام كان الجميع يتوقع أن الدوري الذي كان أحد أبرز المخلصين لصدام حسين سيكون أول من سوف يُمسك به أو يسلم نفسه بسبب مرضه الخطير وصعوبة توفير متطلباته. السلطات العراقية التي سبق لها أن أعلنت وفاته مرات عدة صمتت هذه المرة. الأمريكان أنفسهم الذين كان الدوري سادس مطلوب لهم بعد صدام حسين وابناه وأبناء عمه صمتوا هم أيضاً. البعثيون الذين كانوا يتندرون في السابق عندما يعلن عن موت الدوري هم من نعوه بأكثر من بيان. الاستثناء الوحيد هو النعي الصادر عن السياسي والمفكر العراقي حسن العلوي الذي نعى الدوري وعدّ وفاته خسارة كبيرة.

السؤال الذي بات يطرح الآن ماذا سيكون مصير حزب البعث بعد وفاة الدوري، خصوصاً في ظل تعددية أجنحته؟ الإجابة عن هذا السؤال لن تتأخر كثيراً، لا سيما أن الدوري كان يمثل آخر رمز من رموز الشرعية الحزبية حتى في ظل الصراعات بين جناحي الحزب في العراق بزعامة الدوري وسوريا بزعامة يونس الأحمد.