لم يعد بمستغرب عليّ أن أطالع – دورياً – منشوراً على فيس بوك أو أستمع حديثاً في مقيل ويكون الشيخ أحمد صالح العيسي هو محور ذلك الحديث بمواقفه الإنسانية العظيمة وكفه البيضاء التي تجود عطاءاً على الجميع، فهو من عودنا على أن يكون حاضراً بشكل دائم في أوقات اليمنيين الصعبة.
فعلى مدى عقدين ونّيف من الزمان لم يخذلنا الشيخ العيسي قط ولم يرد أي صاحب حاجة، ولم يصد الفقراء والسائلين عن بابه، بل كان البلسم الشافي واليد المعطاءة والإنسان الكريم الذي يعطي ولا يسأل ويبذل ولا يطلب مقابلاً.
أكتب هذا بعد أن قرأت منشوراً ليمني يشبهنا كثيراً في الوجع والفقر وقلة الحيلة وتقلب الحال، يدعى محمد القاضي.. يسرد محمد الذي يبدو من ملامحه أنه شاب لا يزال في ربيع عمره، قصته المؤلمة مع مرض عضال في القلب رافقه مذ كان طفلاً، وقيل له وقتها أنه بحاجة لمبلغ مالي كبير للسفر للخارج وإجراء العملية، ولأنه ما باليد حيلة لم يتمكن من إجراء العملية حتى صار شاباً يافعا.. وبعد أن تدهورت حالته فجأة وقال له الأطباء أنه لن يعيش سنة أخرى إن لم يجري عملية قلب مفتوح وظن أن الأرض ضاقت عليه بما رحبت، جاءه الفرج من رب العباد كالغيث المنكسب. قيل له إن هناك يمنياً أصيلاً كريماً يتواجد حالياً في مصر ويداه مبسوطتان لكل طالب حاجة. حزم حقائبه وتوكل على ربه وسافر إلى مصر. طرق باب الشيخ العيسي وقلبه يرتجف: من ذا الذي يقرضني 15 ألف دولار بشحمها ولحمها؟! استقبله الشيخ الكريم بوجهه البشوش، ولم يخرج من عنده إلا والمبلغ كاملاً في يده. وبعد أيام أجرى العملية التي تكللت بالنجاح. لم يخذل الشيخ العيسي الشاب محمد، كما لم يخذل الآلاف من الذين جار الزمان عليهم قبل هذا الشاب، وكان الحاضر دائماً في وقت الشدة، يجود بما جاد الله عليه، ويسهم في تخفيف الكثير من الأثقال التي أرهقت كاهل أبناء هذا الشعب المغلوب.
هي والله قصة من قصص الخرافات عن أولئك الأبطال الأسطوريين لكننا نعيشها واقعاً ملموساً في حياتنا وبشكل شبه يومي. وما يثير الدهشة أن الأمر لا ينقصر على المساعدات الشخصية، بل حتى على مستوى التنمية المجتمعية، فأينما يولي المرء وجهه على امتداد اليمن الكبير سيدرك أن للشيخ العيسي، يداً بيضاء تجود بالخير اللامنقطع في كل قرية ووادٍ وفي كل سهل وجبل، وأينما كان هناك محتاجون كان العيسي سباقاً في هذا المضمار.
لهذا أقول دائماً إن الشيخ العيسي هو “حاتم الطائي” لليمن، وهو الخير إذ جاء من كل جانب، وهو الجود إذ أسقى الروابي ولا يزال دون انقطاع أو نقصان، ولمثل هذا الإنسان الاستثنائي نسكب مداد المحبرة عرفاناً، لأنه انغرس هو في سويداء القلوب وحدقات العيون.