يتقاضى الموظف في القطاع العام اليمني، محمد الحداد، راتباً شهرياً بما يعادل 190 دولاراً. يحمل الحداد شهادة جامعية، ويُعد موظفاً من الدرجة العاشرة، وأجره هذا يتضمن كافة “حوافز تحسين المعيشة”.
يقول إن: “مدخولي لا يوفر أكثر من 5 غرامات من الذهب تقريباً، حيث يصل سعر الغرام من الذهب حالياً إلى 38 دولاراً، في حين أنني أحتاج على الأقل إلى 25 غراماً من الذهب لإتمام مراسيم الزواج”، ويضيف: “يجب أن أوفر راتبي الشهري كاملاً لمدة 5 أشهر على الأقل لشراء الذهب المطلوب، وهذا مستحيل، فما أتقاضاه أنفقه على المواصلات إلى العمل”.
في اليمن لن تجد فارقاً بين العاطلين عن العمل وموظفي الدولة الذين يسعون إلى تحسين دخولهم من خلال فرصة عمل في القطاع الخاص أو ممارسة أعمال تجارية حرة لتلبية المتطلبات المعيشية الصعبة.
وقد حددت الحكومة اليمنية الحد الأدنى للأجور بعشرين ألف ريال يمني، ما يعادل 93 دولاراً، وما يمكّن من شراء 2.44 غرام من الذهب. ويتم إضافة حوافز تحسين معيشة إلى الحد الأدنى للأجور وبواقع لا يتعدى 50% من الراتب الأساسي، وبما يعادل تقريباً 46.5 دولاراً، بما يسمح لشراء 3.7 غرامات من الذهب.
والحداد كغيره من موظفي الدولة الذين يعانون من تدني الأجور يقابله ارتفاعات سعرية كبيرة، وهو ما يؤكده الباحث في قطاع الدراسات الاقتصادية بوزارة التخطيط اليمنية، عبد المجيد البطلي.
ويقول لـ “العربي الجديد”: “إن تحديد الحد الأدنى للأجور في اليمن بـ 20 ألف ريال يمني ليس منصفاً كما أنه غير مدروس. حيث لم تؤخذ بالاعتبار تكاليف الخدمات والمتطلبات الأساسية كالغذاء والصحة والمسكن والتعليم والصحة، وهذا المبلغ زهيد جداً وقد لا يغطي تكاليف إيجار السكن شهرياً”.
ويشير البطلي إلى أن الاقتصاد تعرض لصدمة جديدة في ظل الوضع الراهن للبلد، حيث تتفاوت الارتفاعات السعرية للمشتقات النفطية شهرياً ما بين 200% إلى 300% من السعر الرسمي. كما أن أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفعت أكثر من 30%، وفي ظل هذا التضخم فالحد الأدنى للأجور من حيث المبدأ لا يصل إلى تغطية الحد الأدنى من المعيشة.
اتساع رقعة الفقر
بدوره، يقول أمين عام الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن، فضل العاقل، لـ “العربي الجديد” إن تحديد الحد الأدنى للأجور بأقل من 100 دولار يزيد من اتساع رقعة الفقر ويجعل حتى الطبقة العاملة داخل دائرة الفقر. ويشير العاقل إلى أن الاتحاد كان قد طالب الحكومة في العام 2010 برفع الحد الأدنى من الأجور إلى ما يعادل 300 دولار، وتنفيذ قانون نظام المرتبات والأجور رقم 43 لسنة 2005، لتقليص الهوة بين الحدين الأدنى والأعلى للأجور والمرتبات إلى ثمانية أمثال الحد الأدنى، بدلاً من ثلاثة أمثال الحد الأدنى، والذي أصرت عليه الحكومة خلافاً للقانون. إلا أن الأوضاع التي يمر بها البلد منذ العام 2011 حالت دون تحقيق أية تسويات في هذا الشأن.
وفي ذات السياق، ينتقد الباحث الاقتصادي عامر عبد الوهاب قانون الدولة المتعلق بنظام الأجور والمرتبات الذي لا يضمن توفير العيش الكريم لموظفي الدولة، ويشير لـ “العربي الجديد” إلى أن هذا النظام يتضمن بعضاً من الاستحقاقات التي منها بدل طبيعة العمل والعلاوة السنوية، إلا أن هناك في المقابل ضريبة تُعرف بضريبة كسب العمل. كما أن هذه الاستحقاقات تخضع للاقتطاع من قبل نافذين في الجهات المعنية، مما يجعل الموظف لا يحصل على الأجر المناسب الذي يضمن تقديم أداء عملي جيد دون أن يمارس الفساد والرشوة.
من جانب آخر، يؤكد أمين عام اتحاد نقابات العمل، فضل العاقل، إلى تردي الأوضاع المعيشية للعاملين سواء في القطاع العام أو الخاص. ويضيف: “في الوقت الذي ننتقد فيه قانون الحد الأدنى للأجور، نجد أن القطاع الخاص لا يلتزم حتى بهذا القانون ولا يمنح العاملين حتى الحد الأدنى من الأجر. بل إن أكثر من 70% من العاملين يعملون من دون عقود عمل تضمن حقوقهم، كما أن دور الدولة في متابعة تطبيق القانون غائب، الأمر الذي يجعلنا نجزم بأن معالجة مشكلتي الفقر والبطالة مسألة معقدة”.