ولا بتلك التي تشنها الدولة، عبر الجيش والمقاومة، ضد المتمردين. من الصعب الاعتقاد أن مواطناً طبيعياً يمكن أن يكون غير معني بحرب تستهدف، على نحو رأسي، دولته ونظامه، أي جمهوريته.
البطولة قد لا تستهوي كل البشر، وهناك جزء من الناس، على الدوام، لا تغويه فكرة النضال ولا نتائجها. تلك مسألة تختلف كلياً عن القول “إن الحرب على الدولة لا تعنينا”. كما أنها لا تتطابق مع فكرة حياد المواطن الطبيعي فيما يخص الشؤون التي تهدد وجود دولته ومجتمعه.
مع سقوط الدولة يفتح باب كل شيء: الفقر، الحروب الأهلية، والجريمة. لا يوجد خطب عام أكثر فداحة من انهيار نظام الدولة وحلول الفاشيات أو اللانظام. يصبح الجميع عرضة لأكثر المصائب فداحة وعنفاً، وتضيع أمة كاملة من الناس. هذا ما فعله الحوثي في اليمن، وكانت تلك جريمته الجسيمة التي لا يمكن غفرانها ولا الحياد معها.
الجماعة التي أعلنت الطريق الثالث تتشكل من أفراد عملوا مع صالح جل حياتهم، وكانوا بالنسبة لشروط صالح موظفين جيدين، حتى أنه بدا غير قادر على الاستغناء عنهم. أحدهم ارتكب صالح بسببه خطأ دستورياً جلياً عندما أراد أن يستخدمه في أشياء كثيرة بسبب من جودة خدماته.
يحاجج أولئك بالقول “لا بد أن يكون لنا موقف” ثم يقدمون ذلك الموقف الذي لا علاقة له بشيء، وهو أسوأ من اللاموقف. اللاموقف قد يعكس حالة من الارتباك والتيه، بخلاف الفكرة الثالثة في زمن الحرب على الدولة. فالفكرة الثالثة، التي تدين الجميع، لا تعني في صورتها النهائية سوى مزيد من تدمير قيمة الدولة والمقاومة من خلال اعتبارها طرفاً مجرماً كالعصابات تماماً.
من المبكر الإجابة عن سؤال: لماذا نشأ الطريق الثالث الآن، وليس بالأمس، وليس غداً. غير أنه من المقدور ملاحظة أن تلك الجماعة لا تقدم نظرية حول الدولة الجيدة والمجتمع الحديث بقدر عرضها لخدماتها في زمن ما بعد الحرب.
في النموذج المصري نشأت جبهة الإنقاذ لاستنقاذ ثورة ٢٥ يناير، كما قالت مدوناتها. غير أنه لم يمض سوى وقت قصير حتى كانت “بوابة الاشتراكي” تضع استخلاصاً نهائياً لما حدث: لقد كانت بالفعل جبهة لإنقاذ الثورة المضادة.
وليست تلك حالة نادرة.