خرج ملايين الإيرانيين يوم الجمعة الماضي لانتخاب أعضاء البرلمان ومجلس خبراء القيادة.
في إيران عملية سياسية معقدة يتقاسم السلطة فيها عدد من الهيئات الدينية والسياسية والعسكرية، مردها جميعاً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى يد المرشد الأعلى، أو الولي الفقيه، الذي يعد رأس النظام في البلاد.
هناك مجلس صيانة الدستور، وهو الذي يفصل في طلبات الترشح لمجلسي خبراء القيادة والبرلمان، وهما المجلسان المنتخبان.
ويمر المرشح لأي من المجلسين بعدد معقد من الإجراءات، حيث يقدم استمارة ترشحه للجان الإجرائية التابعة لوزارة الداخلية، فإذا أجيز من قبل السلطات الأمنية للنظام، تذهب استمارة الترشيح إلى اللجان الرقابية المنبثقة عن مجلس صيانة الدستور، فإذا أجيز فلمجلس صيانة الدستور حق قبول أو رفض المرشح، حتى وإن أجيز من اللجان المختصة. وبهذه العملية استطاع خامنئي إقصاء معارضيه عن طريق سيف مجلس صيانة الدستور، المكون من اثني عشر عضواً، يعين المرشد ستة منهم، بينما يعين رئيس السلطة القضائية الستة الآخرين، وإذا ما عرفنا أن رئيس السلطة القضائية يعين من قبل خامنئي، ندرك أن خامنئي فعلياً هو الذي يعين أعضاء مجلس صيانة الدستور الذي يبت في طلبات الترشح لانتخابات مجلسي الخبراء والبرلمان، وهذا يعني عملياً سيطرة خامنئي غير المنتخب على العملية الانتخابية برمتها.
من هنا تحدثت التقارير عن أن أكثر من 90٪ من مرشحي الإصلاحيين المؤيدين لروحاني تم إقصاؤهم، كي لا تختل منظومة المؤسسة الدينية الحاكمة لصالحهم، بعد إنجاز حكومة روحاني للاتفاق النووي مع القوى الكبرى.
ومع ذلك، فقد أعطت الانتخابات الإيرانية الانطباع بأن النظام الديني يعمل وفقاً للقواعد الديمقراطية، وقد نجحت السلطات في إضفاء طابع ديمقراطي هش على تلك الانتخابات، التي رغم كل ما صرف عليها، ورغم الجهود التي بذلت لإنجاحها لا تعدو ـ في حقيقة الأمر ـ كونها عملية شكلية لا يترشح فيها إلا من بحث في كل سجلاته الأمنية والسياسية، وتمخض الكشف عن كونه موالياً للسلطات الدينية الحاكمة، وغير معارض لها، حتى وإن انتمى لأفكار ثورة الخميني، أو كان من أبنائها المخلصين. ذلك أنه كما رأينا لا يترشح إلا من أجازته مؤسسات يهيمن عليها المرشد الأعلى، كما أن المرشد الأعلى له الكلمة الفصل في كل القضايا السياسية والأمنية والعسكرية والدينية والقضائية في البلاد، مع العلم أن المرشد الأعلى ليس منتخباً من الشعب، وإنما يقع اختياره من قبل أعضاء مجلس خبراء القيادة الثمانية والثمانين، الذين يجيز ترشحهم مجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه خامنئي، وبذا يكون المرشد قد انتخب من قبل الأشخاص الذين أوصلهم هو ذاته إلى عضوية هذا المجلس.
وبالإضافة إلى مجلسي خبراء القيادة والبرلمان هناك مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهذا المجلس يبت غالباً في الخلافات التي قد تنجم بين مجلس صيانة الدستور ومجلس البرلمان حول القوانين والتشريعات التي ترسلها الحكومة للبرلمان للتصويت عليها. وعندما نعرف أن هذا المجلس السيادي يتم تعيين أعضائه من قبل المرشد، فإننا نعرف كيف أن المجلس غير المنتخب يمكنه أن يبطل التشريعات التي أقرها مجلس منتخب هو البرلمان. وفوق كل ذلك فإن للمرشد الأعلى سلطة مطلقة يكون بها فوق المجالس المختلفة، بما في ذلك مجلسا الخبراء والبرلمان، بل وفوق الدستور والقانون، وقد كان الخميني يقول عن نفسه «أنا فوق القانون»، وهي الخصيصة التي ورثها عنه خامنئي بحكم منصبه كولي فقيه ونائب للإمام المهدي الغائب لدى الشيعة الإثني عشرية. وفي الفترة الثانية من حكم الرئيس الأسبق محمد خاتمي قدمت الحكومة إلى البرلمان مشروع قانون يتيح محاكمة الصحافيين والسياسيين بقانون غير القانون الجنائي، الذي تتم محاكمتهم به حتى الآن، وعندها أحست السلطات الدينية بخطورة الأمر، فأرسل خامنئي رسالة إلى البرلمان يأمره فيها بعدم إدراج مشروع القانون للنقاش، وهو ما كان في حينه. وفي فترة أحمدي نجاد كذلك، انتقد عدد من المحافظين فساد بعض المؤسسات المالية التي تتبع المرشد، لعدم وجود رقابة مالية وشفافية في حساباتها، وكانت المفاجأة أن كل من انتقد مؤسسات المرشد، تم رفض قبول استمارة ترشحه للبرلمان. ووفقاً للدستور الإيراني، فإن لخامنئي سلطات مطلقة كانت قبله للخميني، الذي كان فوق الدستور والقانون.
ينص الدستور الإيراني في المادة 57 على أن السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية و التنفيذية تزاول وظائفها ومهامها بشكل مستقل عن بعضها بعضا، لكن تحت إشراف الولاية المطلقة لولي الأمر وإمام الأمة (المرشد الاعلى).
أما المادة 110 من الدستور الايراني فتنص على أن صلاحيات المرشد الأعلى (غير منتخب) تتمثل في تحديد السياسات والاستراتيجيات العامة للبلاد بعد أخذ وجهة نظر (غير ملزمة) من مجمع تشخيص مصلحة النظام، ومن مهامه كذلك مراقبة تنفيذ السياسات العامة للبلاد، والسماح بإجراء استفتاء عام، وقيادة القوات المسلحة وتعيين قيادتها العليا، وإعلان الحرب أو الموافقة على الصلح، وتعيين ستة من فقهاء مجلس صيانة الدستور، وتعيين رئيس السلطة القضائية، ورئيس منظمة الإذاعة والتلفزيون، وتعيين قائد الشرطة وقوات الأمن الداخلي، وحل الخلافات بين السلطات الثلاث، وحل معضلات النظام من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام، والأدهى من ذلك أن من صلاحيات المرشد غير المنتخب تنصيب رئيس الجمهورية الذي يعد رئيس الحكومة، ومن حق المرشد أن يمتنع عن تنصيب الرئيس المنتخب. كما أن من صلاحيات المرشد إقالة رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، بعد تأييد السلطة القضائية التي يعين المرشد رئيسها، أو بعد تصويت البرلمان.
خلاصة القول، هناك من ناحية الشكل انتخابات، وعملية ديمقراطية يخرج بموجبها الناخبون إلى صناديق الاقتراع، لاختيار ممثليهم في البرلمان، وفي مجلس خبراء القيادة، غير أن هذه العملية من ناحية المضمون ليست ديمقراطية، نظراً لأن مآل القرارات السيادية في إيران في يد شخص غير منتخب. ولكي يتم القبول بالصلاحيات المهولة لهذا الشخص غير المنتخب، والتي بموجبها يتحكم في – بل ويقيل – هيئات وأشخاص منتخبين، لكي يتم القبول بصلاحياته، فقد دأبت المؤسسة الدينية والعسكرية الحاكمة في إيران على أن تضفي عليه صفات التقديس التي لا تكون لغيره من البشر.
وقد قال كاظم صديقي خطيب جمعة طهران عن خامنئي يوم الجمعة الماضي إنه «حجة الله على الأرض»، وأنه «نائب الإمام المهدي الذي ينوب بدوره عن الله». أما أحمد خاتمي إمام جمعة طهران فقد قال قبل ذلك إن خامنئي يتلقى تعليماته من الإمام المهدي، الذي يتلقى التعليمات مباشرة من الله.
خلاصة القول هناك انتخابات في إيران، لكن الديمقراطية غير موجــــودة، في ظل نظام يستطيع شخص غير منتخب، وليس له إلا مؤهلات غيبية أسطورية أن يقيل أشخاصاً وهيئات منتخبة.
في إيران انتخابات… هل فيها ديمقراطية؟
محمد جميح
No more posts
No more posts