تشهد الهدنة التي تم التوصل إليها في اليمن قبل أسبوع سلسلة خروقات تهدد مفاوضات الكويت بشأن اليوم، فحتى الآن ماتزال المؤشرات ضعيفة على نجاح ثالث جولة من المفاوضات بين الحكومة الشرعية والانقلابيين، وإن كانت الآمال معقودة أكثر على هذه النسخة، بالنظر إلى الوضع الإنساني المتدهور في اليمن.
فبعد موافقتهم على المفاوضات بكل ما سبق ولحق تلك الموافقة من بيانات سياسية متضاربة، واستمرار عملياتهم العسكرية ضد المواطنين وقوات الشرعية، تسلم الانقلابيون مسودة اتفاق وقف إطلاق النار، وأبدى طرفا الانقلاب (مليشيا الحوثي والمخلوع صالح) تبايناً في وجهات النظر “المعترضة” على بعض نقاط المسودة، لكن حزب المخلوع كان أكثر وضوحاً برفضه المسودة بعد يوم من استلامها.
وكان مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، أعلن في 23 مارس/ آذار الماضي، أن أطراف الصراع اليمني وافقوا على وقف “الأعمال العدائية” في البلاد، اعتباراً من منتصف ليل 10 أبريل/نيسان الجاري، على أن تبدأ جولة مفاوضات مباشرة بين الأطراف في 18 من الشهر ذاته، في دولة الكويت.
ولكن تلوح في الأفق مواجهات سياسية حادة تسبق جولة المفاوضات وقناعات لدى كل طرف بفشلها وإن لم تبدأ بعد، مع استمرار الانقلابيين في محاولاتهم التقدم في تعز التي من المفترض أن تبدأ التهدئة منها، في حين يحشد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية قواتهم نحو “نهم”، بعد تأمين الطرق المؤدية إليها من محافظتي مأرب والجوف، ومن مهامها (بحسب مصدر في المقاومة) تولي مهام تحرير العاصمة في حال لم يتم الاتفاق على تسليمها دون قتال، وفقاً للقرار الأممي 2216 القاضي بانسحاب الانقلابيين، أو تأمين المدينة في حال وافقت المليشيا على تسليمها سلمياً.
– خيار الحرب ماثل
أستاذ علم الاجتماع، محمود البكاري، قال: إن “اليمن بكامله هو ساحة حرب مفتوحة، وكل طرف من أطراف الحرب يحشد ما يستطيع من قواته”.
وأشار البكاري في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن مسألة استمرار الحرب هي على حساب الوطن والمواطن الذي فقد الأمل بحدوث أي مفاجآت من هذا الطرف أو ذاك، وعلى الجميع أن يدرك عدم قدرة المواطن على تحمل أعباء الحرب.
وتنطلق هذه الجولة من المفاوضات بقناعة الحكومة الشرعية بضرورة الوصول لحل سلمي يجنب البلاد مزيداً من الدمار، وإن كانت قناعتها أيضاً تشير إلى عدم التزام الانقلابيين بأي عهد أو ميثاق، بحسب حديث رئيس الحكومة، أحمد عبيد بن دغر، المعين مؤخراً.
البكاري أضاف أن مسألة نجاح مفاوضات الكويت أو فشلها تحتم على الطرفين إدراك حجم الأخطاء التي ارتكبت بحق الوطن، وأنه يجب العودة إلى جادة الصواب، وإلا فإن الأمور ذاهبة إلى أمد بعيد من الحرب والصراع، ومن ثم يظل خيار الحرب ماثلاً ما يؤخر من عملية العودة للمسار الديمقراطي بعيداً عن الانقلابات.
الترتيبات مستمرة لاستضافة جولة المفاوضات رغم عدم التهيئة المناسبة لها، في وقت رفضت فيه مليشيا الحوثي والمخلوع صالح تنفيذ أي بند من إجراءات بناء الثقة التي أقرت منتصف ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي في جنيف.
كما أن المتحدث باسم الحوثي أشار إلى موافقتهم على الحوار “بشروط مسبقة أو محددات متفق عليها”، في إشارة على ما يبدو إلى رفض القضايا الخمس التي أعلنها ولد الشيخ كمرتكزات للحوار، والمتمثلة في انسحاب المليشيات والجماعات المسلحة، وتسليم الأسلحة الثقيلة للدولة، والترتيبات الأمنية الانتقالية، واستعادة مؤسسات الدولة واستئناف الحوار السياسي الشامل، إضافة إلى إنشاء لجنة خاصة بالسجناء والمعتقلين.
– دور الأشقاء
الصحافي والمتخصص في الحملات الإعلامية، وائل عبد الرحمن، أشار إلى أن الآمال معلقة على الأطراف الإقليمية والدولية كي تؤدي أدوراً إيجابية في تقريب وجهات النظر بين أطراف الحوار، إذا ما أُريد أن تنتهي الحرب في اليمن.
وأضاف في تصريح خاص لـ”الخليج أونلاين”، أن هذه الجولة تكتسب أهميتها وفرص نجاحها من نية التحالف العربي ممثلاً بالمملكة والأشقاء إحلال السلام في اليمن وإعادة بناء الدولة، إضافة إلى أن الكويت التي استضافت جولات تاريخية من الحوار بين فرقاء اليمن تستضيف هذه الجولة لتمنح فرصاً أخرى للنجاح.
ولا تختلف هذه الجولة من المفاوضات عن نسخة جنيف الثانية ميدانياً؛ إذ لا تطورات كبيرة على الأرض باستثناء مناطق محددة، في حين تمنحها مؤشرات أخرى الامتياز، وتلك المؤشرات تتمثل في ذهاب الحوثيين دون حليفهم صالح إلى الرياض، واتفاق تهدئة على الحدود، ووصول مساعدات إغاثية من السعودية إلى صعدة معقل الانقلابيين، إضافة إلى تشكيل لجان تهدئة وتغيير مكان المفاوضات لتعود إلى الحضن العربي بدلاً من جنيف.
ولم يعقد عبد الرحمن أي أمل على طرفي الحوار، فيرى أن الفجوة واسعة ولا تمنح المفاوضات أي نسبة من فرص النجاح، “حيث يتجلى ذلك عبر الحملات الإعلامية التي لم تبدأ بعدُ مرحلة التهدئة وبناء الثقة بين طرفين سيكونان على طاولة مفاوضات واحدة، ويناقشان قضايا تهم وطناً واحداً ينتميان إليه جميعاً”، مضيفاً أنه يفترض بالجميع بدء بناء الثقة وإنهاء حوار البندقية ولو بهدنة محددة قبل الجلوس للحوار، ما لم يبقَ ذلك مجرد إسقاط واجب خصوصاً أمام المجتمع الدولي.
وفي أكثر من مرة مضت وافق الانقلابيون على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 والانصياع للنقاط التي حملها، لكنهم يعودون للتلكؤ حول آلية تطبيق ذلك القرار، وهو ما أفشل جولتين سابقتين لم تخرجا بنتائج ملموسة على الأرض؛ نتيجة تعنت الانقلابيين وسعيهم نحو كسب مزيد من الوقت، واعتبار أي تهدئة مجرد فرصة لالتقاط الأنفاس.