في الفترة الحالية يدور صراع شرس بين فرص الحرب والسلام في أكثر من بلد عربي، وفي الحالة اليمنية فإن فرص السلام لا تزال مشدودة إلى ساحات المعارك، في ظل خيار العديد من القوى السياسية مسنودة بعوامل القوة العسكرية، رغبة في تحقيق المزيد من المكاسب في أية تسوية مقبلة.
وتبدو مفاوضات الكويت التي تأجل انطلاقها أمس، أنها سترسم خريطة سياسية وعسكرية جديدة يجب التنبه إلى مخاطرها إذا ما تمت وفق صفقة محاصصة يتم الترويج لها في أوساط سياسية في الداخل والخارج، حتى لا تتكرر المأساة التي يعيشها العراقيون اليوم، أو عبر معادلة «تقوية الضعيف وإضعاف القوي»، وهي خطوة من شأنها تعميق الخلافات التي برزت بظهور الانقلابيين الحوثيين عندما تمكنوا من السيطرة على مناطق واسعة في شمال الشمال بفعل الضعف الذي اعترى نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح قبل إطاحته في 2011، ثم اجتياحهم للعاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014.
مفاوضات الكويت التي تم التحضير لها منذ أشهر، يجب ألا تخرج عن مقررات ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، الذي نسفته قوى النفوذ السابقة واللاحقة وحولته إلى كومة من ورق، رغم أنه حقق الكثير من الخطوات في اتجاه إعادة رسم الواقع الجديد في اليمن، بأن أشرك الجميع في إعادة بنائه على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب».
انقلاب الحوثيين وجماعة صالح على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، في ظل أداء هزيل للرئاسة، كان دليلاً على أن صناعة السلام لم تكن سهلة، وهذه المغامرات التي قام بها الحوثيون وصالح على أمل إعادة خلط أوراق اللعبة السياسية في بلد أنهكته الحروب الداخلية لعقود طويلة، كانت كافية للتأكيد أن الراغبين في تكريس مشهد غلبة القوة خططوا لنسف كل التفاهمات التي جرت في مؤتمر الحوار الوطني وخارجه.
اليوم قد تبدو فرص السلام سانحة أمام اليمنيين بعد تضحيات كبيرة دفعوها في الحرب التي أشعلها الحوثيون وصالح في طول البلاد وعرضها، في تحد واضح لرغبة الشعب في الخروج من أزماته التي أدخله فيها النظام السابق عبر الحروب الداخلية، بخاصة الحرب ضد الجنوب عام 1994، وما تلاها من حروب في صعدة استمرت على مدار ست سنوات، إضافة إلى إذكاء الحروب القبلية هنا وهناك، في محاولة لإبقاء خيوط اللعبة في يده، إذ إن كل هذه العوامل أضعفت النسيج الاجتماعي في البلد وعملت على تقويضه بوسائل مختلفة.
مفاوضات الكويت ستكون فرصة لأن يرمي فرقاء الحياة السياسية المآسي التي خلقوها لليمن خلف ظهورهم، والاستعداد لمرحلة جديدة تضع فيها مصالح الشعب نصب أعينهم، ذلك إن ما شهده اليمن خلال العامين الماضيين كافياً لإفهام «الرؤوس الساخنة» أن الوضع قد يتحول إلى ضياع لكل شيء، وسيكون هناك صعوبة في استرداد ما تم تدميره، بخاصة على المستوى الاجتماعي، إضافة إلى البنية التحتية التي نجحت الحرب في تدميرها بشكل كبير وتحتاج المليارات إلى إعادتها إلى وضعها السابق، وهو ما لا سيكون ممكناً في ظل الوضع القائم بفعل الخلافات التي تعصف بالجميع، بسبب تقاطع مشاريع الحرب والسلام.