هناك حرب شوارع وشعارات تخوضها إيران ووكلاؤها في المنطقة بشكل متشابه ومتسق، وبطريقة تصاعدية تدعو للتساؤل حول أسباب هذا التصعيد الإيراني ضد السعودية، عبر أدوات التشغيب السياسي، وأبرزها الشعارات التي أطلقت تجاه حكومة المملكة في كل من مظاهرات بيروت ومسيرات «أنصار الله» في صنعاء، وحتى حالات الشغب المفتعلة في الشارع الإيراني، وآخرها تسمية الشارع الذي كانت تقع فيه السفارة السعودية في طهران باسم «نمر النمر»، وهو أمر لعبته إيران مرارًا منذ إطلاقها اسم خالد الإسلامبولي (قاتل السادات) على أحد شوارع طهران الرئيسية.
ومن حرب الشوارع إلى حرب الشعارات، وآخرها التصريحات التي أطلقها حسن نصر الله في خطابه قبل أيام، والتي يمكن القول إنها صك براءة عبر التلاعب بالألفاظ لصالح إسرائيل، فيما يخص اغتيال بدر الدين، وإشعال المنطقة بخطاب طائفي استعدائي يرفضه معتدلو الطائفة الشيعية، قبل كل القوى السياسية خارج الفرز الطائفي والديني.<br>خطاب نصر الله بدا انفعاليًا وغاضبًا، لكن الشعارات التي أطلقها تجاه دول الخليج والسعودية والأهم تجاه الأزمة السورية والاستماتة في الدفاع عن نظام الأسد، في سعيه الدؤوب لإنهاء ما تبقى من سوريا والسوريين، ستنعكس على داخل الحزب وحتى آخر مدافع عن حزب المقاومة من رموز الإسلام السياسي إلى التيارات القومية واليسارية، التي ستشعر بالحرج الشديد في تأييد مضامين خطاب نصر الله، التي لا تخرج عن الشتائم الرخيصة وتحويل دماء السوريين الأبرياء إلى معركة نصر «إلهي»، وتثبيت نظام دموي ستعاني المنطقة بأسرها من ويلات بقائه أو رحيله لعقود.
بعد أن أنصف نصر الله إسرائيل، عاد ليطلق شعارًا سياسيًا خطيرًا وربما سيساهم في تراجع شعبيته، ليس في الخارج، وإنما في داخل لبنان، حيث اتهم دول الخليج والسعودية بأنها فرطت في القضية الفلسطينية، حين شجعت الشعب السوري في ثورته ضد نظام الأسد، الذي كان رأس الحربة في محور المقاومة والممانعة.
هذه الكلمات المعدودة من الأمين العام لحزب الله، فيها من الخداع السياسي ما يفوق بمراحل النفس الطائفي الكريه، فنظام الأسد من الأب للابن لم يكن أضر الأنظمة بالقضية الفلسطينية فحسب، بل الكل يعلم تاريخيًا عدد المرات التي خاض فيها في دم الفلسطينيين، ومجزرة تل الزعتر ما زالت رطبة في الأذهان، لكن الأهم التاريخ القريب لتحالف الحزب مع نظام الأسد في تقتيل وتجويع وتهجير الآلاف من الفلسطينيين من مخيماتهم في سوريا، أما حديث الممانعة فهو بات أقرب إلى المجازات الباردة التي لم تعد تشعل الشارع العربي، بل على الأرجح ساهمت في إضعاف الإحساس بقضية فلسطين، بعد أن أثبت الحزب ونظام الأسد أن ثمة من يضطهد أهله وإخوته أكثر مما تفعل إسرائيل للأسف، وهذا ما يفسر تراجع حضور القضية الفلسطينية، ليس على المستوى الإعلامي فحسب، وإنما على مستوى اهتمامات الشارع العربي الذي تكشف لديه كثير من الأقنعة تجاه استغلال واستحلاب القضية لعقود.
هل تصرف حسن نصر الله كان فرديًا؟ الإجابة لا «كبيرة»، فقبل خطابه وبعده هناك تصعيد طائفي من قبل الحكومة الإيرانية، وأحد الملفات الأثيرة عندها لمغازلة الداخل هو ملف المناسبات الدينية، ومن هنا يمكن تفهم حالة الصلف والتعنت فيما يخص القبول بالشروط والتنظيمات السعودية لموسم الحج، وهو أمر كما نعلم لا يخص الإيرانيين وحدهم، بل في التفاصيل التي يعلمها المقربون من تنظيم الحج، تم الصبر على الخروقات الإيرانية، فيما يخص «الشعارات» واستغلالها في موسم ومكان من المفترض أن يكون دينيًا خالصًا.
وبإزاء التصعيدات الإيرانية، فإن الأمر يبدو أكثر تعقيدًا مع «أنصار الله» الحوثيين، رغم المفاوضات الإيجابية الطويلة، فإن السلوك على الأرض ما زال يشي بتفرد الحزب بدعم من المخلوع في الاستئثار بالحالة السياسية اليمنية، على الأقل في المركز «صنعاء» ومحاولة التموقع في مناطق كثيرة، وهو تحرك عسكري ذو مغزى سياسي عادة في هكذا حروب، فمن يقف على أكبر مساحة من الأرض يحاول أن يعكس ذلك في حجم ما يفاوض عليه من سقف سياسي.
انتهاكات الحوثيين على الأرض كبيرة، سواء الأموال المنهوبة من احتياطي النقد الأجنبي بخلاف التمويل من موازنات الدولة، وخطابهم في الشارع ما زال بنفس ثوريته وطائفيته واستهدافه لاستقرار الخليج، وهو ما يعني أن ثمة فجوة بين الفصيل المحاور في الكويت وبين انعكاس ذلك على الأنصار في شوارع صنعاء.
نفس طهران ووكلائها طويل في المفاوضات، ومرد ذلك سياسيًا إلى أن كل الجماعات والميليشيات الخارجة عن منطق الدولة، لها اقتصاداتها الخاصة التي تمكنها من البقاء طويلاً، ريثما تنفجر الأوضاع لدى الجماهير والشعوب المغلوب على أمرها، التي مع خطاب الشعارات وتثوير الشوارع قد تخطئ في معرفة أعدائها الحقيقيين.