لأكثر من 30 يوما، فشل الفريق الانقلابي المشارك في المشاورات اليمنية التي تستضيفها الكويت، التي ترعاها الأمم المتحدة، من اختراق جدول أعمالها على الرغم مما صاحب جلساتها من ضغوط دولية أوروبية وأميركية. إذ نجح عبد الملك المخلافي، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ورئيس الوفد الحكومي اليمني، في قيادة فريقه خلال جميع الجلسات ورمى الكرة في ملعب الانقلابيين الذين كشفوا عن تراجعهم عن التزامهم بما اتفقوا عليه مع المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وحدد في خمسة محاور رئيسية للمشاورات على رأسها تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2216». وحسب كثرة من المراقبين جاء اختيار المخلافي (57 سنة) لترؤس الوفد الحكومي اختيارا موفقا، ومكنته خبرته العريضة والعميقة في المضمار السياسي من تكوين مقاربات حصيفة تنم عن إلمامه بكل التفاصيل وأدق التشعبات، وأسهمت فعلا في فضح مراوغات الانقلابيين أمام المجتمع الدولي.
عين عبد الملك المخلافي نائبا لرئيس الحكومة وزيرا للخارجية في اليمن خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2015، خلفا للوزير السابق الدكتور رياض ياسين. وكان لتعيين هذا السياسي المخضرم أثر كبير في تحريك المياه الراكدة في أروقة الحكومة. وحسب الصحافي عبد الله عبد الغني «جاء تعيين المخلافي على رأس وفد الشرعية ضربة معلم وخطوة موفقة للرئيس عبد ربه منصور هادي، باعتبار أن الرجل كان أقوى الشخصيات حضورا على طاولة الحوار، بدأ على دراية لافتة بدهاليز السياسة اليمنية سابقا وحاضرا».
وحقا، لعل من أهم المميزات التي اكتسبها المخلافي في حياته السياسية القدرة على الإقناع والتفاوض والتحاور. ولقد نجح في ذلك إبان مشاورات الكويت، خاصة إذا ما علمنا أن فريق الانقلابيين والمتمردين ممثل بشخصيات متناقضة لكنها تتقن التلاعب والمراوغة.
بداية صحافية
بدأ المخلافي العمل السياسي وهو يافع التحق بالعمل الصحافي في صحيفة «الجمهورية» الحكومية، وفي حينه انتسب إلى الحركة الناصرية، وسطع نجمه في صفوفها حتى بلغ القمة وتسلم قيادتها. ومن ثم، قاد حزبه الوحدوي الناصري في أصعب المراحل السياسية التي مرت بها اليمن، وهي مرحلة التعددية السياسية عقب عام 1990، التي سبقتها عمليات تصفيات للقادة الناصريين من قبل نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وظلّ المخلافي بعد عام 1993 في صفوف المعارضة متحالفًا مع الحزب الاشتراكي اليمني وغيره من أحزاب التنسيق الأعلى للمعارضة اليمنية. ثم انتسب إلى تكتل أحزاب «اللقاء المشترك» الذي جمع القوميين والإسلاميين واليسار، وشكلت مكوناته أقوى قوة معارضة لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم والمهيمن على مقدرات الدولة. لاحقا، عام 2011 شاركت غالبية قيادات هذه المكونات في الانتفاضة الشبابية التي أسقطت هيمنة المؤتمر الشعبي.
السجين السياسي
تعرض المخلافي للاعتقال غير مرة، وتمكن من الفرار عقب فشل «حركة أكتوبر (تشرين الأول)» عام 1978، واختفى عن الأنظار لبعض الوقت، كما اعتقل في الفترة بين عامي 1984 و1985، وما يستحق الذكر أنه اعتقل يوم زفافه ويوم ولادة ابنه الأول هشام. ولقد تعرض للمطاردة ومحاولات الاغتيال غير مرة ما اضطره إلى مغادرة اليمن إلى سوريا؛ حيث أقام لمدة خمس سنوات (1985 – 1990) متوليا رئاسة لجنة العلاقات الخارجية للتنظيم، كذلك تعرض لمحاولة اغتيال بعد الوحدة.
وعن الانتفاضة الشعبية، أو «ثورة الشباب» عام 2011 .. يقول المخلافي :«نحن اليوم مع شعبنا ضد أي ظلم وأي ظالم ومع كل مظلوم. مع الحرية ضد القيود والاستبداد. ومع الوفاق ضد الانقسام. ومع الوحدة الوطنية ضد التمزيق والتفرد وضد الطائفية والقبلية والمذهبية والمناطقية. مع الديمقراطية ضد الانفراد والشمولية والإقصاء. مع حق الجميع والمختلف معنا قبل المتفق معنا. مع التنوع والشراكة الوطنية ضد التسلط والهيمنة».
وفي مشاورات الكويت، وقبلها في مشاورات سويسرا، برز نجم المخلافي كربَّان محترف لسفينة مفاوضي الشرعية، وظهرت قوة شخصيته في مواقفه خلال جلسات المشاورات، وذلك بعدما تمكن من تشكيل فريق محترف ومتجانس وصلب وقوي، استطاع أن يقدم السلام بقوة الحق والحجة، وأسقط معها أوراق المراوغة التي ظلت فريق الميليشيا الانقلابية يتستر خلفها.
ولقد أوضح المخلافي في آخر مؤتمر صحافي عقده بعد تعليق مشاركة فريقه في المشاورات إثر تراجع وفد المتمردين عن المرجعيات الدولية والإقليمية، الموقف الواضح للحكومة الشرعية، فقال: «خوفنا على وطننا وحرصنا على شعبنا هو الذي يجعلنا نصبر على مشاورات مع جماعة لا تبالي بمصالح الشعب اليمني وكل همها السلطة. نحاول إنقاذ البلاد وهم يريدون تدمير الوطن»، وأردف: «الانقلابيون يريدون شرعنه انقلابهم، ويحاولون الحصول على مكافأة بتشكيل حكومة ثمنا لما سببوه من دمار في البلاد». ثم وصف ما يطرحه فريق الحوثي وصالح في مشاورات الكويت بأن لديهم «قدرة عجيبة في تزييف وقائع ما جرى دون ذكر ما قاموا به. ينكرون الواقع ويخادعون العالم، وكأن اليمنيين هم من اعتدى عليهم».
تدخل إيران
ومن ناحية ثانية، يعتقد المخلافي أن التدخل الإيراني المستمر في الشؤون الداخلية للجمهورية اليمنية محاولة للهيمنة على المنطقة، وأن دعم طهران المستمر للمتمردين ومحاولة استنساخ نموذج ما يسمى «حزب الله» في اليمن «سيكون له أسوأ العواقب على مستوى الوطن اليمني ومحيطه القريب في المنطقة والبعيد على المستوى الدولي».
عن المخلافي قال عبد الله حزام، عضو الفريق المرافق للوفد اليمني إلى الكويت، لـ«الشرق الأوسط» واصفا إياه: «إنه رجل التوافقات والحوار، الذي يحرص على التواصل مع الجميع، ويحب وطنه، ويمتلك مبادئ وقيما إنسانية ثابتة لا يحيد عنها». وتابع: «عندما يتكلم المخلافي على طاولة المشاورات فإن الجميع يصمت ويستمع بإنصات له. لغته واضحة، وحجة قوية»، واستطرد قائلا: «إنه يهتم كل لحظة بمواكبة كل الأحداث السياسية الجارية على الساحة الوطنية والعربية والدولية».
أما المحلل السياسي عبد الله عبد الغني فيرى أن أبرز السمات البارزة في المخلافي أنه «شخصية تتمتع بثقافة سياسية كبيرة».
بطاقة هوية
– ولد عبد الملك عبد الجليل علي المخلافي يوم 19 أغسطس (آب) 1959 في قرية الحصين (المخلاف) بمحافظة تعز.
– درس على يد جده الفقيه علي درمان المخلافي، ودرس المرحلة الابتدائية في قرية الحصين وتعز، والثانوية في تعز كذلك، ثم حصل على درجة الليسانس (الإجازة) في الشريعة والقانون من جامعة صنعاء عام 1984.
– بدأ عام 1978 مسيرته المهنية مع عالم الصحافة، فعمل في ركن الطلاب بصحيفة «الجمهورية»، كما قدم برنامج الطلاب في إذاعة تعز، وانتقل إلى العمل الصحافي التحريري عام 1979.
– انضم مبكرا إلى التنظيم الناصري في يوليو (تموز) 1974 عندما كان تلميذا في المرحلة الإعدادية.
– انتخب عام 1981 عضوا في اللجنة المركزية للتنظيم، وانتخبته اللجنة عضوا في قيادة التنظيم التنفيذية
– انتخب عام 1982 أمينا عاما للتنظيم الشعبي الوحدوي الناصري، وتركه عام 1984.
– عام 1985 كلف برئاسة لجنة العلاقات الخارجية والسياسية للتنظيم والأمين العام المساعد لجبهة 13 يونيو (حزيران)، وذلك إبان إقامته في العاصمة السورية دمشق.
– بعد الوحدة اليمنية عام 1990، ترأس تحرير جريدة «الوحدوي» بعد عودتها إلى صنعاء.
– وعام 1993 اختير مجددا أمينا عاما للتنظيم الناصري بعد إعلان التعددية الحزبية في اليمن.
– عين عام 1992 عضوا في اللجنة العليا للانتخابات.
– منح عام 1993 درجة وزير، وبعدها بأربع سنوات عين عضوا في مجلس الشورى.
– أعلن من عدن في 15 ديسمبر (كانون الأول) 1989 بيان إعلان الوجود كأول تنظيم سياسي يعلن عن وجوده ونشاطه علنا في الجنوب والشمال قبيل الوحدة وبعد توقيع اتفاق عدن الوحدوي في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989.
– بين عامي 1990 و1993 تولى عضوية القيادة التنفيذية للتنظيم، كما اختير رئيسا لأمانة التثقيف والتدريب والإعلام.
– بين عامي 1993 و2005 شغل منصب الأمين العام للتنظيم الناصري بعد إعلان التعددية الحزبية في اليمن. وكان أول أمين عام بين الأحزاب اليمنية في عهد التعددية يرفض الترشح للأمانة مجددا؛ إذ اكتفى بعضوية اللجنة المركزية التي ما زال عضوا فيها حتى اليوم.
– عام 1997 عين مستشارا لرئيس الجمهورية لشؤون الانتخابات بناء علي طلب المعارضة واتفاقها مع الحزب الحاكم.
– بين 1995 و1997 شغل عضوية المجلس الاستشاري للدولة المكون آنذاك من 59 عضوا.
– بين 2001 و2015 تولى عضوية مجلس الشورى.
– بين 2004 و2015 شغل منصب رئيس اللجنة السياسية والعلاقات الخارجية والمغتربين في مجلس الشورى.
– عين عام 2014 مستشارا للرئيس عبد ربه منصور هادي.
– عام 2015 عين نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية اعتبارا من الأول ديسمبر (كانون الأول) 2015.
(الشرق الاوسط)