أصبحت عسكرة الأطفال مشكلة كبيرة ومعقدة في المجتمع اليمني اليوم. المجتمع اليمني مجتمع تقليدي قبلي محافظ والتركيبة الإجتماعية في هذا البلد معقدة جدا. أحيانا تجد أنّ بعض القبائل اليمنية تفتخر بمشاركة الأطفال في القتال وتعتبر هذه المشاركة فخرا واعتزازا لأسرة الطفل.
لذلك، عسكرة الأطفال ليست وليدة اللحظة وليست عملا مستغربا في اليمن. عسكرة الأطفال موجودة في المجتمع اليمني منذُ سنين، إلا أنّه خِلال السنوات الماضية بالتحديد منذُ نهاية العام 2013 تصاعدت عسكرة الأطفال بشكل مقلق ومخيف حيث أشارت احصائية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة “اليونيسيف” العام الماضي أن الأطفال يشكلون نسبة 30% من الميليشيات المسلحة، وذلك بعد ترك مدارسهم وحملهم للسلاح الذى بات صديقا لهم بدلا من الكتاب.
في الصراعات والحروب يكون الأطفال والنساء والمهمشون هم ضحية وهم أكثر من يدفع ثمن الحروب وهذا ما يحصل في اليمن اليوم. كلنا يعرف أنّ الحركات الايديولوجية والدينية المتطرفة هي أكثر من يستغل الأطفال وتبث سمومها الفكرية في عقول الأطفال تحت مسميات واهية وكاذبة. ففي المجتمع اليمني اليوم نجد أنّ حركات العنف المسلحة تجند الأطفال وتدفع بهم إلى محارق الموت من أجل تنفيذ أغراض سياسية وفكرية ومادية لا غير.
أطفال اليمن اليوم يجيدون لغة السلاح بدلاً من إجادة الحروف الأبجدية. فلو سألت طفلا هل يجيد إستخدام السلاح، ستكون إجابته نعم، بل ربما يعطيك معلومات دقيقة حول الألغام والقنابل والمتفجرات، خصوصا الأطفال الملتحقين بمعسكرات الجماعات اليمنية المؤدلجة والدينية المُتطرفة. لكن، لو سألت هذا الطفل هل يجيد كتابة حروف الأبجدية، ستكون إجابته لا. بل سيدافع عن جهله ويحاول أنّ يقنعك بإنّه مُجاهد وخلقه الله ليكون خلف المترس وحامي حمى العقيدة والدين والوطن. لكن الحقيقة المرة التي تؤرقنا وتؤلمنّا هو قيام تلك الجماعات بإستغلال ظروف أسر الأطفال المادية.
لقد أحزنني موقف عندما ألقي القبض على طفل يمني في إحدى المعارك الدائرة وكان يبكي ويصيح ويقول أنّه ترك المدرسة والتحق بجماعات العنف المسلحة من أجل توفير لقمة عيش لأسرته، لإنه لم يحصل على وظيفة أو أي عمل اخر ولم يتبق له إلا الإلتحاق بجماعات العنف المسلحة والدينية لكي يعيل أسرته. للأسف الجماعات الدينية تدفع بالأطفال إلى القدر المشؤم بدلا من الدفع بهم إلى المدارس الإبتدائية. ولذلك أغلب ضحايا الحرب الدائرة في اليمن هم الأطفال. أمّا تجار الحروب وصُنّاع الأزمات وقادة الحركات المسلحة فهم في قصورهم ينعمون مع أولادهم وأسرهم.
إنّ واقع أطفال اليمن اليوم محزن ومخيف ومؤلم. فأطفال اليمن أصبحوا فريسة بيد الجماعات الإرهابية. هناك تقارير مخيفة صدرت مؤخرا وتحدثت عن وضع الأطفال في هذا البلد المضطرب. منظمة رعاية الأطفال العالمية أكدت في تقرير لها إن “مليون وثمانمائة الف طفل يمني توقف تعليمهم.” كما أكدت المنظمة إن أكثر من 560 الف طفل بقوا خارج المدارس كنتيجة مباشرة للصراع. كما كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف “أن الحرب الدائرة في اليمن أدت لأكثر من ألف و560 حالة من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، بالإضافة لمقتل ما يزيد على 900 طفل وإصابة ما لا يقل عن ألف و300 آخرين خلال العام الماضي “أي ما يعادل مقتل أو إصابة ستة أطفال يوميًا.
إنّ الخاسر الأكبر من إستمرار الصراع هم الأطفال. ولذلك جماعات العنف المسلحة تتحمل مسؤليتها الأخلافية والدينية والتاريخية والسياسية تجاه الأطفال. كما أنّ الحكومة اليمنية تتحمل مسؤليتها القانونية تجاه أطفال اليمن. نأمل أنّ يخرج اليمن من محنته اليوم قبل الغد. كما نأمل أنّ نرى أطفال اليمنون يحملون الأقلام والكتب ويعودون إلى المدارس بدلا من حمل الكلاشنكوف.