ظهر مساء الجمعة 15 يوليو/تموز على شاشة قناة CNN الأميركية عدد من الجواسيس السابقين لمناقشة موضوع محاولة الانقلاب التركية، وأشاروا في معرض حديثهم إلى وجود عدة أدلة تشي بقلة خبرة الضباط العسكريين الذين قادوا محاولة الانقلاب وافتقارهم إلى التمرس في هذا المجال؛ حتى أن أحد ضيوف البرنامج بدا عليه شعور خيبة الأمل بذاك العرض العسكري الهزيل وركاكته أكثر من شعوره بالارتياح لفشل الانقلاب على الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطياً!.
على رأس قائمة الحضور كان روبرت باير الكاتب والضابط الاستخباراتي السابق والمخضرم في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والذي يُفهم بوضوح أيضاً أنه ضلعٌ في انقلابات عسكرية في ماضيه.
باير كان واضحاً في موقفه إذ عبر لمذيع CNN آندرسون كوبر عن عدم انبهاره بما شاهده وأن محاولة الانقلاب “لم تتسم بالحِرَفِية”، بحسب ما نقل تقريرٌ نشرته النسخة الأميركية لـ”هافينغتون بوست”، السبت 16 يوليو/تموز 2016.
فقد قال “لقد سبق وشاركت في انقلابات في الماضي. كان ينبغي عليهم احتلال مبنى قناة CNN Turk وإغلاقها بضع دقائق بما في ذلك إذاعة الراديو الخاصة بها وشبكاتها الاجتماعية وموقع الإنترنت. حتى لو لم يكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رهينة في أيديهم، كان عليهم أن يهتموا بكل ذلك بادئ ذي بدء.”
تخطيط غير محكم
كذلك كشف باير أنه تحدث إلى مسؤولين أتراك قبل شهرين ودار بينهم حديث تناقشوا فيه جدلاً في احتمال حدوث انقلاب، فكان ردهم أن هذا الاحتمال “قطعاً غير وارد” وأضاف “من الواضح أن لا علاقة لهم فيما حدث وأنه لا دليل على ضلوعهم فيه.”
ثم تابع باير كلامه وسلّم في معرض حديثه بأن فرص نجاح الانقلاب كانت ضئيلة، بيد أنه استدرك زاعماً أنه ما زالت هناك فرصة قائمة كي تنجح المحاولة.
وخلص باير إلى أنه “لو شاء الجيش التركي أو هذه العناصر -التي دبرت ما حدث- خوض حرب ضد الشعب لكانت اشتعلت حرب أهلية، وهو ما لا يلوح في المشهد حالياً، لكن من يدري فغداً يوم آخر، وأفراد الجيش التركي قطعاً ليسوا واثقين، ولا حتى الحكومة.”
فشل تكتيكي
الضيف الثاني جيمس وولسي كان فيما مضى مدير السي آي إيه وكان قد نادى بشنق موظف وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن الذي فضح أسرار مؤسسته ونشرها على الإنترنت. وولسي قدم تحليلاته للانقلاب التركي على قناة CNN ووصفها بأنها خطة فشلت تكتيكياً.
قال وولسي “في الانقلابات كما في العمليات العسكرية لا تسير الأمور كما هو مخطط لها ولا حتى في المرحلة الأولى من الخطة، لذلك عليك أن تتمتع بالمرونة الكافية لكي تغير من تكتيكاتك حسبما يتطلب الموقف أمامك، والظاهر أن مدبري الانقلاب لم يتحلوا بذاك القدر من المرونة.”
ومضى وولسي الذي قضى 6 أشهر في تركيا العام الماضي في حديثه الذي ألمح فيه إلى أنه ما من داعٍ لكي يغير الانقلاب من العلاقات القوية التي تجمع الولايات المتحدة بتركيا، إذ قال “أرى أمراً واحداً رغم أن الوضع ليس مفرحاً وأن الأمور قد لا تحمد عقباها، لكن هنالك على الأقل أمرٌ إيجابي واحد أراه وأود إطلاعكم عليه، ألا وهو أن تركيا بلد مزدهر ومتطور بقوته العاملة.” ثم كانت خلاصة حديثه “إننا بحاجة لتركيا وللعمل معها كما أننا بحاجة إلى حثها على العمل معنا.”
تنفيذ منقوص
الضيف الثالث كان العميد المتقاعد ويسلي كلارك الذي سبق أن قاد قوات النيتو في أوروبا وظهر على شاشة الـCNN مع وولسي في الوقت ذاته (جدير بالذكر أن تركيا دولة عضو في الناتو).
وفي حين أيد كلارك أقوال سابقيه الناقدة لهزالة تخطيط الانقلاب كان هو أكثر حذراً في توضيح موقفه غير الداعم للتمرد العسكري. فقال “هنالك أمرٌ يخص هذه الانقلابات، ونحن هنا لا نؤيدها بل ننهى عنها، الأمر أن التاريخ أثبت أنك إن أردت تنفيذ انقلاب فعليك أن تنفذه من قلبك لا من نصفه.”
وقد أسفرت الاشتباكات بين ضباط الانقلاب وبين المدنيين وقوات الأمن الموالية للحكومة عن مقتل 265 شخصاً على الأقل حسب صحيفة النيويورك تايمز.
لكن مع صباح يوم السبت 16 يوليو بدى الانقلاب في نزعه الأخير واستسلم جنود الانقلاب الذين احتلوا جسور إسطنبول الهامة وسلموا أنفسهم للقوات الموالية التابعة للحكومة فيما اعتقلت الأخيرة آلاف الجنود المتورطين في محاولة الانقلاب.
أردوغان عاد إلى إسطنبول منتصراً يوم السبت وبدى وشيكاً قرب إحكامه التام للسيطرة على البلاد من جديد.
حديث مسؤولي الاستخبارات السابقين عن الانقلاب التركي جدير بالملاحظة نظراً لتاريخ الـسي آي إيه الطويل الزاخر بإسهاماتها في الانقلاب على أنظمة حكم الدول الأجنبية بهدف خدمة مصالح أميركا الجيوسياسية أو الاقتصادية. تجلى ذلك للعيان أيام الحرب الباردة عندما أطاحت الولايات المتحدة بحكومات وأنظمة أجنبية كثيرة حول العالم لأنها لمست فيها ميولاً شرقية نحو كتلة الاتحاد السوفييتي.
خبرة في الانقلابات
ويعتقد أن السي آي إيه ضلعت ولو بصورة غير مباشرة أو فاعلة على الأقل في عدة انقلابات عسكرية تركية منذ الستينيات من القرن الماضي. فأجهزة الجيش والاستخبارات الأميركية عملت عن كثب مع مؤسسة الأمن الوطني التركي المسماة أحياناً بـ”الدولة العميقة” نظراً لنفوذها الخفي الضاربة جذوره في أعماق السياسة التركية، فالتعاون بينهما جزءٌ من تحالف الولايات المتحدة مع تركيا الذي نشأ أيام الحرب الباردة.
ولطالما كانت الولايات المتحدة شريكاً لعمليات الجيش التركي ضد الانفصاليين الأكراد جنوب شرق البلاد، وهي عمليات نالت دوماً انتقادات مجموعات حقوق الإنسان، فمثلاً ساعدت الولايات المتحدة تركيا على إيجاد وإلقاء القبض على زعيم التمرد الكردي عبدالله أوجلان عام 1999.
حديث مسؤولي الاستخبارات السابقين اتسم بنغمةٍ غير واضحة، لكن إدارة أوباما كانت واضحة حازمة في دعمها للحكومة التركية المنتخبة ديمقراطياً.
ففي بيان له يوم الجمعة قال البيت الأبيض أن “الرئيس ووزير الخارجية أيدا أن على كل الأطراف في تركيا دعم الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطياً والتحلّي بضبط النفس وتجنّب العنف أو إراقة الدماء.”